ذ. يوسف الإدريـــــسي
من الغرائب المستفزة في وطننا المغرب، أن تظهر أشياء عكس تيار ما يروج له من ريادة وحكامة وإصلاح على أعلى مستوى .. فمثلا مدينة مراكش الوجهة السياحية العالمية التي يقصدها أشهر المشاهير من عالم الفن والرياضة والسياسة، لا تتوفر على مراحيض كافية لقضاء الحاجات البيولوجية المواطنين .. هذا بالضبط، ما تداوله نشطاء المواقع التواصلية عقب فعاليات الماراطون الدولي الذي نظمته المدينة الحمراء نهاية الأسبوع الماضي، وقد تمت عملية التوثيق من خلال صور مشاركين يقضون حاجتهم في الشارع العام
ولأنه دائما يوجد من يفسد الحكاية، كما قال الكاتب المغربي احمد بوزفور، فإن أكبر المتشائمين لم يكن ليعتقد أن المرحاض أو (بيت الماء) كما يسميه المغاربة سيكشف ضعف الفعل التدبيري داخل عقول ومكاتب من يسهرون على الشأن التنموي والبنيوي والإشعاعي ببلادنا .. وذلك، بالنظر إلى أهمية المراحيض العمومية كمطلب إنساني وطبيعي ودستوري لا يقبل التأجيل كما تقبله أوراش أخرى والأكيد، أن أي تأجيل زمني لهذا المطلب سيفقد معه المواطن كرامته التي هي عنوان للمواطنة وعنصر أساسي ضمن منظومة الحقوق المدنية التي تثبت للشخص باعتباره إنسانا وليس مواطنا فحسب، كما أن دستور 2011 ينص على ضرورة حماية الحياة الخاصة
ونحن نناقش هذه الأيام مدونة الأسرة وحقوق المرأة قبل الزواج وبعد الطلاق، ربما لم يستحضر المسؤولون والمشرّعون حقوق العنصر النسوي حين تدركه الحاجة البيولوجية في الشارع العام، خاصة النساء اللواتي يعانين من مرض السكري أو القصور الكلوي أو ما شابه ذلك من الأمراض المزمنة .. وإذا كان الرجل في مثل هذه الوضعية قد يتدبر أمره بشكل أو بآخر، فإن المرأة للأسف سيكون وضعها أكثر إحراجا بكل ما تحمله كلمة إحراج من معنى
جميعنا يناقش واقع الأزمة من زاويته، فهناك من يناقش أزمة النقل وأزمة الاعتداء في الشارع العام والتحرش بالنسبة للعنصر النسوي وأزمات أخرى، وتخصص لهم جلسات داخل القبة التشريعية وخارجها، غير أن لا أحدا يشير إلى أزمة من أبشع الأزمات المسكوت عنها للأسف، وهي أزمة المراحيض العمومية التي لا تقبل التفاوض عند حدوث الحالة، بل الحديث هنا عن حالات الملايين من المغاربة الذين يقضون معظم أوقاتهم خارج المنزل، مما يتطلب ذلك وجود الملايين من المراحيض العمومية أو على الأقل عدد منها بمعدل مرحاض لعشرين مواطنا، حفظا للكرامة الإنسانية التي هي أساس وجود المواطن في وطن المفروض أن يحترمه ويحافظ على كرامته
من جهة أخرى، أفاد موقع “ريت ماي تويلت” أن الدول التي تمتلك عددا قليلا من المراحيض، تكون بشكل ضمني الدول الأكثر فقرا والأكثر نسبة في وفاة الأطفال دون الـخمس سنوات، وإن كانت توفر الدواء والعلاج للمواطنين
فكيف إذن بحال الدول التي لا توفر دواء ولا علاجا وفوق ذلك لا تتوفر على مراحيض عمومية ..؟!