حقيقة مؤلمة تلهب دواخلنا عند كل محاولة منا بأن نقنع أنفسنا، أن كل شيء على ما يرام بوطننا الحبيب، كأن نقول أضلتنا زرقة سمائك و أقلتنا خضرة أرضك و ملأنا ترائبنا بعبير نسماتك يا وطني .. كأن نقول سنفعل ما فعلته الأجيال الماضية .. سنعشقك كما عشقوك و سننذر أرواحنا كما نذروها في كل حين و في كل صقع لفداء شبر من أرضك، كأن نقول بأن الحق مضمون و التعليم متاح و الصحة رهن من لا صحة له .. السكن متوفر للجميع و العدالة تسكن الضمائر، و الوطن يتسع لكل المغاربة و يرحب بكل الأجانب .. الغني فيك رؤوف بالفقير و المسؤول يقدر معنى المسؤولية أيا تقدير .. الصغير خاضع للحشمة، و الشاب ركبته الحكمة و الشيب قدوة .. الشوارع فيك تغري بالتجوال و المشاريع لا يعتريها الغش ولا النقصان، و العلم كله تقدم لخدمة الإنسان .. لكن ! هذه حقيقة، أم وهم و أضغاث أحلام ..؟
سنجيب على السؤال بالسؤال .. فهل ستكون الإجابة هي نفسها الإجابة، إلى متى سنستمر في الكذب على أنفسنا، إلى متى سيستمر وهمنا و نفاقنا لأنفسنا ..؟
حقيقة مؤلمة حقا .. إذ، أصبح حالك يدمي القلب و يجرح الفؤاد يا وطني، حتى صار حال ألسنتنا يرثي و يقول كل شيء فيك يزداد سوءا ياوطني فيا ترى من المسؤول ..؟
اطمئن لست أنت ياوطني هو المسؤول لست أنت .. فالمسؤول هو ذاك الذي كان بالأمس يهتف، هاتوا شكواكم بصدق في العلن -على غرار قصيدة صاحبي حسن-، و لا تخافوا فقد مضى ذاك الزمن، فاشتكى حسن، أين الرغيف و اللبن ..؟
و أين تأمين السكن ..؟
و أين توفير المهن ..؟
و أين من يوفر الدواء للفقير دونما ثمن ..؟
فتألم المسؤول بحالنا و حال صاحبنا حسن، ثم أحرق حسن و أقسم أن لن يكون بيننا شبيه حسن
المسؤول هو ذاك الذي كان بالأمس يهتف دعموني سأصلح حالكم و أشغل أبناءكم و أزفت طرقاتكم، و أعلم جميع أطفالكم و أؤمنكم و أضع الصحة تاجا فوق جميع رؤوسكم .. ثم تمكن و تولى تسيير شؤون الأمة و رغد و اغتنى، فما فعل غير أنه ثمل بأغلى النبيذ و امتطى أرفع الحديد و نسي الوعد و الوعيد، و ما تذكر سوى أن له معاشا على طول عمره المديد
المسؤول هو ذاك المسؤول على رأس تلك الإدارة الذي تزعجه الاستشارة و تغضبه طلبات المواطن و أداء و إتقان الخدمات ببشارة
المسؤول هو ذاك الذي يتغنى بجراح الجياع في جميع المدن و كل القرى و القلاع،
لا يهمه أن الشباب ضاع و أصبح يفضل و يحلم بمغادرة داره و بلده على أن يبقى عالة على أسرته و مجتمعه، و لا يهمه أن المستوصفات ملأى بالجرحى و بكل الطرق هناك قتلى، ينتظر فقط حلول موعد فتح دكانه الانتخابي و بيع وههمه و وعده من جديد للأمة
المسؤول هو ذاك و نحن و هم، الذين ائتمرنا من محور الشر، أو ربما من الشيطان لا أدري ..! حيث صرنا نقتل أحلام بعضنا البعض .. ننغمس في السفالة إلى أقصى حدود .. أصبح المجون يجاور الجنائز في أحيائنا و مدننا، و النغم يصارع البؤس بجل دواويرنا، غنينا ينتشي بغناه مقابل تفقير كل فقير .. المصلحة الشخصية أولى و فوق كل اعتبار “أنا و من بعدي الطوفان” شعارا اتخذنا، آمنا بمقولة درويش أننا “سنصير شعبا حين ننسى ما تقول لنا القبيلة” .. لكنا، نسينا ما قال قبله “سنصير شعبا إن أردنا .. حين نعلم أننا لسنا ملائكة و أن الشر ليس من اختصاص الآخرين .. سنصير شعبا حين لا نتلو صلاة الشكر للوطن المقدس كلما وجد فقير عشاءه .. سنصير شعبا حين نشتم حاجب السلطان و السلطان دون محاكمة”..!انتظرنا كثيرا لعل العقليات تتغير .. لعل الحال يتبدل، فتغيرت الحجارة بطول انتظارنا هذا و نسينا ما تمليه علينا القبيلة و العشيرة، و نسينا تاريخ أسلافنا بكرمه و أخلاقه و تضامنه .. تجردنا و تجردت قوانا وجوارحنا و عقلياتنا من الإنسانية، فصرنا قطعانا فرادى تائهين مهلوسين، و ما تغيرت عقلياتنا