حول ضرورة تكريس قيم التسامح والتعدد في المشهد الإعلامي والصحفي
كم يحز في النفس والضمير، أن تقرأ أو تشاهد أو تستمع إلى بعض الآراء والمواقف الفجة والغارقة في الأمراض النفسية والعصبية والاجتماعية الشاذة، التي توجه الانتقادات والأحكام الجاهزة عن غيرها في مشهدنا الإعلامي والصحفي، دون أن تعرف سقف حريتها في التعبير عن أحقادها وأمراضها، مع أن جميع الانتقادات المعبر عنها، يجب بالضرورة أن تكون واضحة، وحول ما يمكن إصلاحه وتقويمه، لا أن تكون حاقدة ومنحرفة، ولا تؤمن بالاختلاف الطبيعي، والتنافس الشريف في الفضاء الإعلامي والصحفي المعبر عن حقيقة تنوع وتعدد المشهد، ومن متابعة القوانين الأساسية
والتنظيمية تكتشف أن جل هذه الآراء المعبرة في النقابات والجمعيات في مشهدنا الإعلامي والصحفي تتناقض وحقيقة السلوكات المعبرة عنها، وأن الجميع لا يحترم مشروعية المبادئ والقواعد التي سطرها لتنظيمه النقابي والجمعوي، كما أنها بعيدة على ترجمة ذلك في أنشطتها وبرامج عملها، وما أكثرها التي تعمل الاسم وعنوان المقر والمكتب المسير .. ولكنها، لا تترجم ذلك في سلوكها اتجاه من يختلفون معها في المشهد الصحفي والإعلامي، كما أن معظمها لا يخرج عن المنظمات الشكلية فقط،، في الوقت الذي يجب أن يكون لها حضور حقيقي ودائم وفي مختلف الواجهات النضالية والتأطيرية التي تأسست من أجلها .. فحبذا، لو اشتغلت وتجاهلت الصراع مع باقي المنظمات التي تنافسها في الساحة، أو التي تشكل معها التعددية التنظيمية التي نص عليها دستور الوطن، وسخرت مكاتبها في استعراض العضلات في العمل و التأطير والتنظير والنضال، بدل تصفية الحسابات مع الآخرين
نعتقد في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن التعددية التي يوجد عليها المشهد الإعلامي والصحفي لا تخرج عن هذه الأرضية في التحليل، فكل من يوجد في الساحة، سواء كان نقابة قطاعية أو نقابة وطنية أو جمعية أو رابطة في كل المهن الإعلامية لا تتجاوز سقف المتاح في جميع القطاعات، بما لها وما عليها من مميزات وظواهر سلبية، ولن تتحرر منها إلا بانخراطها في القيام بالمهام الملقاة على عاتقها، في قوانينها وبرامجها ومواقفها المتغيرة حسب الظروف والشروط التي تشتغل فيها
هذا الواقع لايحدده المسؤولون على أجهزتها التقريرية، بل يقره المحسوبون عليها من الذين وجدوا فيها الفضاء الملائم لمساهمتهم في نضالاتها وفي قناعاتها، وليس صحيحا أن الشعوب دائما على دين ملوكها .. فهذه الشعوب قد تختلف وتتناقض مع ملوكها، إذا انفصلوا عنها، فكذلك الأمر بالنسبة لمن يتحملون المسؤولية في هذه المنظمات، فإن لم يكن المسؤولون عنها قادرون وملتزمون بأهدافها، أصبحت قواعدها تملك الحق في التخلي عنها، وإن لم يتمكن أي عضو أو مسؤول أو منخرط من احتمال وجود الآخرين معه في التنظيم، فعليه البحث عن التنظيم الذي يناسبه، وإن كان معه من يسيء إلى التنظيم فالواجب يقتضي منه المساعدة والنصيحة والتوجيه والإصلاح، بدل التشويه والتجريم، كما يفعل البعض اليوم، ممن لا يعرفون معنى الالتزام والانضباط في المنظمات والجمعيات، أولائك الذين يشعرون بأنهم مجرد عبء على منظماتهم، ولا يساهمون في تطورها وإشعاعها والزيادة في مردودية أنشطتها، وفي البرامج التي تسطرها لترجمة أهدافها ومبادئها
في هذا المجال، يصح أن نقول وبوضوح مباشر، أن هؤلاء يستحسن أن يبحثوا عن المنظمات التي تناسبهم، بدل الكيل لخصومهم، بالإضافة إلى أن العمل في الجمعيات والنقابات والأحزاب يستهدف التأهيل والتكوين، الذي يمنح صاحبه الشعور بالمواطنة الصالحة والمنتجة والمتحررة إلى آخر القائمة .. ويجب على من ينتمي إلى هذه المنظمات، أن يدرك مسبقا أنه لاينخرط في منظمات للملائكة والمعصومين من الخطأ، لكونها منظمات صحفية مدنية أونقابية أو حزبية أو جمعوية، تحمل كغيرها في وعيها محصلة الثقافة المجتمعية السائدة، وتعمل وفق الأهداف التي سطرتها لتربية وتأهيل المحسوبين عليها في أفق أن تتمكن من ممارسة مهامها التأطيرية والتأهيلية بأقل التكاليف والخسائر والأخطاء، كما أن الأجهزة التي تديرها ليست محصنة من الوقوع فيما يتناقض وشرعية المبادئ، التي تناضل من أجلها، والمسؤولية تقتضي توجيه النصيحة والنقد المسؤول وتوجيه المخطئ إلى السلوك المقبول، بدل تجريمه وتشويهه