عن العمود الصحفي والمواصفات المطلوبة في صياغته (شوف تشوف) نموذجا
لا نعرف في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، كيف اهتدت فراسة الباحث المشرف على أبحاث الطلبة الجامعية إلى القبول بالبحث في العمود الصحفي (شوف تشوف) في مجال الدراسات اللسانية، وليس هناك تخصص في هذا المجال، حتى وإن قبلنا به في مجال الدراسات اللغوية واللسانية، فهذا المجال في الممارسة الصحفية مرتبط بالرأي الشخصي الحر، الذي لا يمكن وضع رقابة عليه لطبيعته المتغيرة، المحكومة بالقضايا التي تشغل ضمير صاحبه في المجال المهني الصحفي، وتكون مشروعيته مرتبطة بجوانب لا علاقة لها حتى بالإديولوجيا في عمومية وفوضى موضوعاتها، التي تتحكم فيها وضعية الأنا أو الذات المفكرة
اللسانيون المعاصرون لا يخضعون المحتوى الذي يتناولونه في المجال المعرفي إلى هذه الرؤيا الضيقة، التي تبقى عارية عن مضمونها الذي لايتكرر بالنسبة للجميع لنفس القوة التي يحكمها منهج معين للحكم على مدى فعاليتها وجاذبيتها لنسق لغوي صالح للمتابعة والمناقشة، حيث يظل غياب المضمون الإيديولوجي في سياقها أحد أهم أدوات الحفر فيها وإبراز قوتها الاستدلالية والمنطقية
إن الاختباء وراء المصطلحات التي لا مكان لها في اللغة، والتي يتم اللجوء إليها، لا تزال جوانب معينة توجه الباحث والمستكشف لطبيعة السرد اللغوي في النص اللساني، لا يمكن أن تسمح بمنح قيمة مضافة لهذا العمود الذي لا يمكن ترويضه مع أسس وقواعد محتوى النص اللساني المتعارف عليه .. ونظن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن أبحاث ألتوسير وكافكا وفوكو و بورديو، تكفي للاستئناس بها لإبراز إنتهازية وغوغائية العمود الصحفي في نهاية المطاف، نظرا لطابعه الشخصي الذي لا يمكن تعميمه على مجالات أخرى حتى في أجناس الكتابة الصحفية المتعارف عليها
إن إخضاع العمود الصحفي لما تكون عليه المواضيع في اللغة اللسانية التي تظل رغم كل المنجزات التي تحققت فيها من خلال دراسات علم اجتماع اللغة، أو المعرفة، ويخيل لنا أن صاحب الدراسة اللسانية للعمود الصحفي المشار إليه أعلاه، قد اخطأ الطريق، ويمكن إعفاؤه من المسؤولية، لجهله بالتحولات التي شهدتها فلسفة اللغة وعلم الاجتماع، وعلم الاجتماع السياسي، وافتقاره إلى منطق إيديولوجي يعتمد عليه في الدراسة اللسانية المعاصرة، وعليه أن يعود إلى مساهمات الرواد الذين قلبوا الطاولة في البحث الإيديولوجي اللغوي والسوسيولوجي والسيكلوجي
إن العمود المختار في الدراسة اللسانية، لا يمكن البحث فيه لما يتميز به من بؤس في اختيار مفردات لغته، وفي عناوين موضوعاته، وفي التوجهات الإيديولوجية التي يتبناها في عرض موضوعاته .. ناهيك عن غياب رؤياه في العمود الذي يكتبه .. ونظن أيضا في مجالنا الصحفي اليوم بكل أجناسه أصبح أكثر تمردا في الكتابات والمناهج المتعارف عليها .. خصوصا، في جنسه الرقمي الشعبي المتمرد بامتياز، والذي أصبح يطرح الأدوات التي يعتمدها في صياغته على كل ما كان قائما من حواجز معرفية وإيديولوجية، فبالأحرى في العمود الصحفي الذي أصبح يمثل في الجريدة بمواصفاتها المعاصرة أهم ما يمكن الانتباه إليه لتحديد الجهد المبذول من قبل الصحفي في صياغته النهائية .. وحبذا أن يطلع صاحب البحث في العمود الصحفي على آخر الاجتهادات الجديدة في مجال الصحافة الرقمية البديلة