عن الإعلام الجديد الشعبي المتمرد على جميع الإكراهات وقوانين الترويض والوصاية الجديدة ..!
يبدو أن معالم احتضار الصحافة والإعلام التقليدي، قد بدأت تعبر عن وجودها من خلال تراجع إشعاعه وتسويقه ومتابعته، بعد أن بخرت التحولات التقنية السريعة كل وسائل مقاومته، رغم تدخل الأطراف المتحكمة في الدول و الشركات والأحزاب في دعمه حتى يظل قادرا على ممارسة وظائفه الدعائية الطبقية المأجورة، والذي أصبح حتى على المستوى الدولي عاجزا على صيانته وجودته من الأطراف “المافيوزية” الرأسمالية المتحكمة في النظام الاقتصادي العالمي.
إنه الإعلام الشعبي الذي تؤمنه القرية العالمية الافتراضية المتحررة من نفوذ الشركات العالمية المتعددة الجنسيات في تورثها التقنية السريعة والشمولية، التي وصل مفعولها إلى أدق تفاصيل الوجود الإنساني، مما جعل المنتوج الصحفي والإعلامي التقليدي مطالب بالانخراط في عملية التحول، حتى لا يفقد استمراريته، سواء في المنتوج الورقي أو الإذاعي أو المرئي، وأصبحت مناهج العمل التي يتبناها في حاجة إلى التحديث والتطوير للحفاظ على الوجود في السوق الاستهلاكية، وهذا ما تعيشه الصحافة والإعلام في الدول التي انخرطت في الثورة الرقمية مبكرا من أجل تمكين منتوجها الصحفي والإعلامي من التطور الملائم لتحولات مجتمعاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية .. وبفعل العولمة وانهيار الحدود في الثورة الرقمية، أصبحت جميع الدول معنية بالتغيير في نمطها الصحفي والإعلامي، كما يحدث الآن في جميع الدول وفي جميع القارات.
إن التقنيات الجديدة التي أصبح عليها الرهان في عملية التحول قد جعلت الإعلام الجديد عابرا لكل خطوط التحرر، ومتمردا على جميع الإكراهات والضغوط، وفتحت المجال لتجسيد وجود هذا الإعلام البديل وتداوله والانخراط فيه بعيدا عن قيود الصحافة والإعلام التقليدي، حيث أصبح للمواطن العادي الحق في أن يكون مشاركا بلا قيود وضغوط وإكراهات في عملية الإنتاج الصحفي والإعلامي بدون تأهيل مهني وبدون معرفة استخدام التقنيات الجديدة.
نحن نشهد اليوم ما تحدثه قنوات التواصل الاجتماعي الجديدة، التي أصبح بإمكان مستعمليها عبر القصاصات البريدية القصيرة والصور الرقمية والفيديوهات المصورة والمدونات التي قضت على هيمنة منتوج الصحافة والإعلام التقليديين، ومن المواطنين الذين لا يتوفرون على المؤهلات المهنية التي كان عدم توفرها يحرمهم من الانخراط في المجال الصحفي والإعلامي، وبفضل هذه الثورة الرقمية أضحى أكثر قدرة وقوة على تفجير المسكوت عنه في الإعلام التقليدي بكل وسائطه.
إنه من الصعب اليوم إخفاء الحقائق، أو تبرير الأخطاء أمام هذا الحضور القوي للإعلام الجديد، حيث أصبح بالإمكان التعبير والتصوير والتحليل أكثر نضجا وبدون الخضوع للقوانين والأخلاقيات المعمول بها في الإعلام والصحافة في نمط الإنتاج التقليدي، الذي انهار في السوق، وتراجع إشعاعه في الحفاظ على مستهلكيه، سواء في الدول المتقدمة أو النامية، وما عاشه المغاربة مع حملة المقاطعة للمنتوجات الاستهلاكية، التي لم تكن أسعارها ملائمة، وما تعرفوا عليه في ملف “حمزة مون بيبي” تمثل نماذج لهذا الإعلام الجديد الذي سيكون البديل عن الإعلام والصحافة التقليديين، مهما كانت المقاومة والرفض المعبر عنهما حاليا .. ونظن أن الخلاصات التي عبرت عنها النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة خلال متابعة صياغة القوانين الجديدة للصحافة والنشر، التي لم يتم في مضامينها تجاهل الآثار المحتملة على واقعنا الإعلامي والصحفي من هذه الثورة الرقمية العالمية، والتي يجب مراعاتها في عقلنة و تقنين المشهد الصحفي والإعلامي الوطني، الذي يراد له أن يظل حبيس رؤيا ومصالح المتحكمين في الثروة والسلطة في مجتمعنا، والذين يخافون اليوم من مجابهة ردود فعل المغاربة مما قاموا به لفرملة تطور الوطن وتحرره ودمقرطته، كما نلمسه في توجيهات جلالة الملك محمد السادس، الذي يريد أن يجعل من الصحافة والإعلام قاطرة لتكريس ونشر قيم المجتمع الديمقراطي الحداثي، وتفعيل أدوار تنموية وتنويرية وإخبارية حقيقية للصحافة والإعلام في الوطن.
لن نغلق الحوار حول هذا الموضوع الذي لا يزال يمثل أحد أهم الأوراش التي يجب أن تظل مفتوحة للنقاش والحوار المنتج والمسؤول ضمن الأوراش الملكية الكبرى، لإغناء متطور وممارسة المغاربة للمهام الملقاة عليهم في مجال الصحافة والإعلام، حتى يكون هذا الإعلام الجديد بكل وسائطه وأجناسه ومناهجه قادرا على القيام بوظائفه الإخبارية والنقدية والتنويرية التي يتطلع إليها عموم المغاربة .. سنكون في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة سعداء لفتح نقاش مجتمعي حقيقي، حول جميع الإشكاليات والقضايا المطروحة على مشهدنا الصحفي والإعلامي الوطني.