قد نختلف مع الدولة نظاما وحكومة على مستوى السياسات والخطط والمخططات وأساليب التركيع وآليات الاحتواء إلى غير ذلك، إلا أنه حين تحل الأزمات يتضح المعدن الأصيل وتبرز معاني المواطنة الحقيقية، ليس بالضبط تلك التي تبني أسسها على المصلحة الذاتية وتتقمص أدوارا تختلف باختلاف المواقع والمصالح.
إنه الوجه المضيء لوباء (كورونا) حين يلتئم الجميع وراء محاولة العبور بسلام من هذه الجائحة الاستثنائية وحين تصطف الدولة والمعارضة، وهنا أقصد مكونات المعارضة الحقيقية، جنبا إلى جنب، وحين يضع الجميع خلافاتهم الجذرية وانتقاداتهم اللاذعة جانبا، فقط من أجل وطن جميل، ومن أجل سفينة ترتبط بها مصائر الراكبين كيفما كانت مواقفهم ومواقعهم.
مناسبة هذا الكلام، هي إصدار جماعة العدل والإحسان عبر قطاعها النقابي لقطاع الصحة، بيانا يثمن فيه التدابير الاحترازية التي اتخذتها الدولة للحد من انتقال عدوى الوباء بين المواطنين، إذ ذكر البيان في سابقة اعتبرها متتبعون خطوة تُحسب للجماعة بالنظر لمعاناتها المتجددة مع التضييق وتشميع البيوت وجملة الإعفاءات من المناصب؛ “لا نملك إلا تثمينها أي (مبادرات الدولة)، وندعو إلى التعاون من أجل إنجاحها وتيسير احترامها، ونطالب بضرورة المسارعة إلى معالجة آثارها الاجتماعية والاقتصادية على المواطنين”.. كان هذا هو موقف أكبر مكون سياسي معارض.
قبل ذلك بأيام، أعلن معتقل حراك الريف نبيل أحمجيق مساهمته بكامل المبلغ الذي تخصصه له عائلته، لفائدة الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا، وفوق ذلك أفصح عبر تدوينة منسوبة لشقيقه؛ “يمكن أن نختلف حد الاصطدام والتقاطع في تدبير السياسات العامة .. ولكن، لا يمكننا في هذه الظروف الخاصة إلا أن نتضامن ونتعاون دفاعا عن صحتنا العامة وعن مصلحة وطننا”.
شخصيا أدرك جيدا أن الظرفية الحالية ليست مناسبة لطرح موضوع المصالحة وتصحيح الأخطاء السياسية للدولة، لكن بلادنا هي في أمس الحاجة لكل مكوناتها المجتمعية من أجل الانتصار في معركة ضد وباء لا يعترف بالتوجهات السياسية ولا بالمواقف الجذرية، فليس عيبا أن تتنازل الدولة عن بعض موروثاتها التاريخية وتطلق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي. ولا يُنتقص من هيبتها شيء إن هي أفرجت عن البيوت المشمعة حتى يدخلها أصحابها آمنين مطمئنين، وبذلك يطمئن الجميع في وطن المفروض فيه أن يَسَع الجميع