من الإنصاف والإنصات لصوت الحق، أن تبادر الفرق البرلمانية إلى الإعلان عن مسؤوليتها في تصحيح مشاريع قوانين الصحافة والإعلام، بدل تركها على ما هي عليه من تناقضات وأعطاب، ومن العيب الكبير أن لا تعير الاهتمام بما وصل إليها من تظلمات ومطالب ومراسلات من الفاعلين الصحافيين والإعلاميين اتجاه هذه المنظومة القانونية المطعون في شرعيتها، التي تم تمريرها بالأغلبية التي كانت تمتلكها أحزاب التحالف الحكومي في عهد عبد الإله بن كيران، الذي كان يترقب ذلك للحد من دور الصحافة والإعلام في محاسبته وتقييم أدائه الحكومي.
لا يمكن تجاوز المأزق والأزمة التي يعرفها واقع الصحافة والإعلام في بلادنا دون مبادرة البرلمان المعني بتمرير هذه القوانين في أغلبية ومعارضة برلماني 2011 و 2016، بإصلاح الأعطاب التي تضمنتها القوانين، والتي تعاكس تطلعات المهنيين في الارتقاء بالصحافة والإعلام وصيانة حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والدستورية .. فما فعله وزير الاتصال مصطفى الخلفي والأطراف التي اعتمد عليها في صياغة القوانين الجديدة، وفي إضفاء الطابع الشرعي عليها لا يتحمله وزير الثقافة والاتصال الحالي السيد محمد الأعرج، المطالب بتطبيقها وتكريسها وتنفيذها .. لذلك، يكون البرلمان الذي صادق عليها هو المؤسسة المعنية بمعالجة أعطابها وتصحيح الأخطاء.
في سياق الإقرار بمسؤولية البرلمان، نؤكد في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي كانت متابعة كل المراحل التي مرت منها هذه المنظومة حتى صدورها في الجريدة الرسمية، أن فرض هذه القوانين ليس من مسؤولية المجلس الوطني للصحافة، ولا النيابة العامة التي يريد خصوم حرية الصحافة والإعلام إقحامها في أزمة المشروعية القانونية، لأن مسؤوليتها القضائية في حماية القانون والحقوق والسهر على العدالة والحرية تمنعها من ذلك، إلى جانب أنها ليست سلطة تنفيذية أو تشريعية يمكن أن تتدخل في الأزمة المطروحة اليوم، مما يقتضي تحرك المؤسسة الدستورية التي شرعنت هذه القوانين لإصلاح ما يوجد من أعطاب وتجاوزات، بالإضافة إلى أن شرعية القوانين التي لا تسمح بالتطبيق الرجعي لوجودها .. ناهيك عن عدم طرح هذه القوانين الجديدة للحوار المجتمعي قبل المصادقة البرلمانية عليها.
إن البرلمان بغرفتيه، هو المعني أولا بالمراجعة والتصحيح والتعديل والتدخل لحماية حقوق ومصالح المهنيين من الآثار الكارثية لهذه القوانين الحديدة، كما يتضح ذلك من مسألة الملاءمة التي يُطالَب بها الصحفيون والإعلاميون في الوقت الذي يتوفرون على شرعية التصريحات التي تسمح لهم بالعمل دون إكراه وتسخير من السلطات الإدارية المعنية .. فهل سيعيد البرلمان هذه القوانين لتعديلها وإصلاح أخطائها ..؟ وهل سينتصر البرلمان بغرفتيه على موقفه الحالي الرافض للاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها في حق الصحافيين والإعلاميين، وفي حق ظهير الحريات العامة لسنة 1958، الذي لا يزال صالحا للاستخدام ويشكل مفخرة تشريعية ودستورية للوطن ..؟
َ
وفي هذا الإطار، نؤكد للبرلمانيين أن نقد الذات وتصحيح الخطأ المرتكب من صميم الممارسة التشريعية للبرلمان، وهذا أقل ما يتطلع إليه الفاعلون من تدخل البرلمان لوقف مهزلة هذه القوانين المطعون في شرعيتها.