ليس الصحفيون والإعلاميون المهنيون من سيقبلون بممارسة المهن الصحفية والإعلامية بدون ترخيص قانوني، أو يشجعون على الفوضى والانحراف في هذه الممارسة المهنية، أو يقبلون بالسلوكات التي تضر وتنتهك الأخلاقيات المهنية .. لكنهم، بالضرورة لا يمكن أن يسمحوا بالوصاية والمس بحقوقهم القانونية والدستورية، ومنها الإجهاز على حريتهم المهنية التي تضمنها الشرائع الوضعية والإلهية والاتفاقيات الأممية، التي كان المغرب سباقا إلى الاعتراف بها وديباجتها في دساتيره.
حتى الآن، وهذا ما يجب أن تستحضره النيابة العامة التي تطالب من يتوفرون على الحق القانوني في الممارسة بضرورة ملاءمة أوضاعهم مع المادة 8 من مدونة الصحافة والنشر الجديدة، التي تقتضي تحول المقاولة الصحفية إلى مقاولة استثمارية، مع أن مضمونها يقول بأن المقاولة المرخص لها يجب أن تتحول إلى الوضع المقاولاتي متى توفرت لها الإمكانيات والوسائط التي تساعد على ذلك إداريا وماليا .. أما مزاولتها للعمل فمضمونه يتم وفق ما نص عليه الظهير الشريف لسنة 1958، وأكدته المواد من 2 حتى 5 من المدونة الجديدة نفسها.
إن وجوب امتلاك الترخيص في الصحافة الورقية والإلكترونية هو الاختصاص الوحيد الذي يجب أن يتوفر عليه من يريد الاشتغال في مهن الصحافة والإعلام وفق مقتضيات ظهير 1958، الذي يجب أن يكون مرفوقا بكل ما يتطلبه الإيداع القانوني لدى الوزارة الوصية على قطاع الاتصال، والذي يصبح خاضعا للملاءمة إذا انتقلت الصحيفة الورقية أو الإلكترونية إلى الوضعية المقاولاتية الاستثمارية كما هو منصوص عليه في المادة 8 من مدونة الصحافة والنشر الجديدة، التي تتدخل فيها قطاعات حكومية أخرى، كالمالية والتجارة والصناعة والأطراف الأخرى المشرفة على الاستثمار والتشغيل.
إن النيابة العامة، لا يمكن أن تتدخل في هذه الجوانب التنظيمية والاقتصادية إلا إذا تلقت شكايات من قبل هذه الأطراف، ولا تتدخل ضد الصحافة والإعلام عموما، إلا إذا ارتُكبت التجاوزات والأخطاء التي تقتضي تدخل القضاء عبر الشكايات الفردية أو المؤسساتية، و لايمكن أن يصبح الصحفي ملزما إلا بأحكام قضائية نهائية صادرة من المحاكم بعد تداولها في القضايا المرفوعة من الأطراف المعنية السالف ذكرها عبر درجات التقاضي المنصوص عليها في المنظومة القانونية أو الجنائية.
أما ما جاء في قوانين الصحفي المهني والمجلس الوطني للصحافة، فلا مسؤولية للنيابة العامة فيها، إلا إذا توصلت هذه الأخيرة بالشكايات والتظلمات من العاملين، سواء كانوا مديرين للنشر أو صحفيين أو تقنيين وغيرهم من الذين يدخلون ضمن الطبقة العاملة في قطاع الصحافة والإعلام، وكذا تظلمات الشركات المرتبطة بالقطاع.
ما يمكن أن نذكر به النيابة العامة المحترمة، أن المنظومة الجديدة تمت صياغتها بدون مشاركة كافة المنظمات التي تؤطر الفاعلين، وتم تمريرها في عهد وزير الاتصال السابق المنتمي للحزب الذي كان يقود الحكومة السابقة، من أجل شرعنة مواقفهم المعادية للحريات ودولة المؤسسات وحقوق الإنسان، ولم تخضع وجوبا للنقاش المجتمعي قبل المصادقة البرلمانية عليها .. وإذ، نؤكد في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، على مواقفنا الرافضة لهذه المنظومة التي قدمنا المذكرة الجوابية عنها قبل المصادقة البرلمانية عليها، فإننا نتطلع إلى تدخل الفرق البرلمانية مرة أخرى لإعادة مناقشتها وتصحيح أخطائها، حتى يكون الالتزام بها يعكس الإجماع الوطني المطلوب حولها، وهذا ما يحرضنا على مطالبة النيابة العامة اليوم بعدم التورط في المستنقع الذي خلفته حكومة عبد الإله بن كيران لخنق حرية الرأي والإبداع وممارسة حقوق الإنسان المنصوص عليها في دساتير الوطن.