ذ. عبد اللـه عزوزي
لنفترض أننا في حاجة إلى لغة أجنبية، و أن طبيبنا لا يمكنه أن يكتب لنا وصفات دوائنا إلا بغير لغة أجدادنا و آيات صلواتنا، فلماذا يختار أن يَفعل ذلك بالفرنسية بالضبط ..؟ و إذا كانت حكوماتنا تشعر بالضعف و التحدي و هي تقارب الشأن اللغوي الوطني، و أنه لا يمكن أن تتقوى إلا بالتمسك بتلابيب حضارة أخرى، فلماذا بالثقافة الفرنسية و جمهورية فرنسا بالضبط ..؟
لن أجانب الصواب إذا قلت بأن اللغة الفرنسية في طريقها إلى الانقراض، و أننا باختيارنا سلك جحورها، فقد اخترنا سلك مسالك الانقراض .. ففي الوقت الذي يزداد فيه الإقبال على تعلم اللغة العربية لدى غير العرب الذين يلاحظ تنامي التمسك بالهوية عندهم كنوع من المقاومة و الدفاع عن الهوية تماشيا مع ما توقعه صامويل هانتينكتون حول صراع الحضارات .. و في الوقت الذي تُصنف فيه اللغة الإنجليزية اللغة الأكثر حضورا في التعليم العالي و الاقتصاد و البحث العلمي و الأكاديمي .. و مع تزايد ثقة علماء المستقبليات في اللغة الإسبانية و توقعهم لأن تزداد انتشارا مطردا في أفق أن تصبح اللغة الأكثر تداولا في المستقبل، فإن الحكومة المغربية لم تتمكن بعد من إرفاق اختياراتها الإستراتيجية المتعلقة بالخيارات اللغوية بما يقوى تبنيها لطرح ما دون آخر؛ و هي بهكذا صمت فإنها لم تجد حلا، و إنما أسكتت الألم بمُسَكّن ظرفي، و فضلت إطالة حالة الشك و التردد و الفراغ و عدم اليقين التي ستؤدي إلى نتائج عكسية و لا تبشر بأي أمل .. فهل هناك في العالم من يستطيع أن يقنعنا بأن اللغة الفرنسية تتطور أو تتوسع ..؟ حتى تلك الخزانات الخلفية التي كان يكونها الناطقين بالفرنسية خارج فرنسا (كمستعمرات سابقة لها) في العشريات الأخيرة من القرن العشرين و العشريتين الحاليتين، هم الآن، أو نسبة معتبرة منهم، مهاجرون ببلدان بعيدة بآلاف الأميال عن بابانويل فرنسا، إذ استقروا خاصة بأمريكا و كندا و ألمانيا و البلدان الإسكندنافية .. و بالتالي، فهم متكلمون بلغات جديدة، و في مقدمتها اللغة الأنجليزية.
فنحن في المغرب، و إن كان لنا و لا بد من لغة أجنبية، فلماذا الفرنسية ..؟ بل لما لا الإسبانية ..؟ فبالنظر لموقعنا الجغرافي و ارتباطاتنا التاريخية و الجغرافية و تداخل مصالحنا السياسية، بل تشابهها حتى (المملكتين)، أظن أن توطيد الارتباط بالمملكة الإسبانية أنفع للمغرب من فرنسا لهذه الأسباب:
• الإسبانية أسهل من الفرنسية للمتعلم المغربي، و نسقها اللغوي قريب من اللغة العربية (( كحالة الجمع / التأنيث، مثلا: تلميذ – تلميذة // alumno – alumna ؛ أستاذ – أستاذة // professor – professora))، بحكم أن الإسبانية ذاتها تأثرت باللغة العربية إبان التواجد المغربي/الأندلسي بإسبانيا بين سنة 711 و 1492 ميلادية.
• الفرنسية ساهمت بدرجة كبيرة في ارتفاع نسبة الهدر المدرسي بين التلاميذ و الطلبة المغاربة، بل ساهمت في تفشي ظاهرة الغش، لأن هذه اللغة شكلت دائما عقبة أمام تميزهم بحكم العائق النفسي/التاريخي اتجاهها.
• من شأن التقارب اللغوي، كنوع من التحالف الثقافي، أن يساهم في تسهيل إيجاد حل للمدينتين المحتلتين سبتة و مليلية، كما من شأنه أن يشكل سنداً لموقف المغرب من وحدة أقاليمه الجنوبية، خاصة على طاولة الأمم المتحدة، و ذلك بتقدير إسبانيا للمصالح المشتركة بين المملكتين.
• فترة الاستعمار الإسباني للمغرب كانت “أكثر إنسانية” من نظيرتها الفرنسية
• للمغرب تاريخ عريق مع إسبانيا التي يشترك معها في التراث و الإرث الأندلسي
• إسبانيا أقرب للمغرب، و القفز على مدريد و غرناطة، و حط الرحال ببارس أو ليون، قد يكون مرده عمى ثقافي أو استلاب غير مبرر .. التفكير في تقوية روابط القرب الجغرافي بين البلدين قد يقوي درجة الإلحاح على، و الوعي بأهمية، مد الجسر القاري (البحري) الذي سيزيد من رفع منسوب الاستثمارات بين الجارتين،
• في هذا الصدد، يمكن للمغرب أن يفاوض من أجل خلق اتحاد مغربي إسباني (اتحاد زاوية أروبا-إفريقيا The African-European Angle Union) بدل السنوات العجاف التي ضيعها ساعيا وراء بناء اتحاد مغاربي يأبى أن يقوم أو يقف. هذا الاتحاد العابر للثقافات و الأجناس و الأديان قد يشكل سابقة تاريخية تخدم السلم العالمي و المصالحة الدولية و تحد من الصراع الثقافي و تزيد من فرص محاربة الفقر و الجريمة و تساهم في صناعة رفاهية الإنسان.