يوسف الإدريسي
لو كان لمدينة اليوسفية جسم جمعوي يحترم نفسه ونخبة مثقفة تقدر مكانتها المجتمعية، لما تجرأ منتخبون جماعيون على اتهام بعضهم البعض في دورة أكتوبر وأمام الملأ من الناس وأمام ممثل السلطة المحلية وأمام ممثلي الأحزاب والجمعيات، بالاختلاسات والفساد المادي والمعنوي، ولما تقدم رئيس لجنة المالية والميزانية والبرمجة بتقرير شائك توجه صراحة إلى رئيس المجلس ناعتا إياه بالفساد وتمرير ميزانية المجلس خلال الثلاث سنوات الماضية والبالغة 13.5 مليارا، في غير مجراها الطبيعي.
وحتى لا أكون أكثر سوريالية من البعض، يجب الاعتراف كون العوام والخواص من ساكنة اليوسفية، يدركون جيدا كيف تُشكَّل مكاتب الجمعيات بكل ألوانها وأشكالها واختصاصاتها، ويعرفون أيضا كيف تتوافق كائنات المجلس الحضري أثناء تشكيل أغلبيتها التي لا تغلب أحدا سوى فئة البؤساء من ساكنة المدينة.
الكل يعلم كذلك، كيف صار الرئيس رئيسا والكاتب كاتبا وأمين المال أمينا .. نعرف كيف نشأت المكاتب، ومن أوجدها ومن أرضعها، وكيف سيقت إلى نعيم الدعم والميزانيات زمرا، نعلم أيضا بأن سلطة الوصاية في الأول والأخير هي الآمرة والناهية بخصوص المقررات والمخططات الجماعية التي تخضع لتصويت صوري لمستشارين هم أنفسهم لا يعرفون شيئا سوى التوقيع على عقود الازدياد وشواهد العزوبة والوفاة، ورفع اليد أثناء التصويت على الميزانيات .. فلماذا إذن هذا الاستغراب المفتعل بشأن عجز المسؤولين الجماعيين عن تحقيق التنمية بالمدينة ..؟!
قد يكون تجديد الشعور بالاستغراب مجرد تنفيس عن احتقان ماضٍ إلى انفجار، في ظل واقع محموم بالانتهازية وأمام نمط انتخابي قاصر، وبسبب الإمعان في امتصاص دماء المستضعفين وتجميع الثروات في أيادٍ معلومة سلفا، إلى درجة التجويف والنخر كما ينخر الدود الخشب بدون هوادة.
طالما تساءلت مع نفسي عن سر استمرارية الحياة في مدينة اليوسفية بالرغم من هذا الاستهداف الجشع، إلى أن أجابني أحد شيوخ المدينة كون أحد من الصالحين مر من هنا ذات يوم.