ذ. عبد اللـه عزوزي
الكتابة في قضايا التعليم، و خاصة ما تعلق منها بأسباب فشل المنظومة، أصبح يمثل بالنسبة لي قطعة من نار تحرق الخلايا و الضمير .. ولعل قلة الكتابات (و التدوينات) حول التعليم، خاصة في هذه اللحظة (لحظة الامتحانات الإشهادية/ لحظة المخرجات) المرتبطة ارتباطا مباشرا بالوضع الصحي للمنظومة ككل، لهي خيرُ دليلٍ على أن شريحة عريضة من المغاربة و المهتمين تقاسمني نفس الشعور
بتعبير آخر، يبدو أن الجميع “شلل يدو وامساحهم” و رجع إلى الخلف يبحث عن حذائه مستعدا للانصراف، و لم تعد تربطه بالمنظومة –أو حتى البلد ككل –سوى ما تُعَرِّفُه العامة ب “طَرْف دْيال الخوبز”(مع تعمدي إضافة الواو للكلمة)
لن أكون مبالغا و لا قليل حياء إن قلت أن بلدنا فشل في كافة الميادين: في الديموقراطية و الصحة و البيئة و التصنيع و العدل و الشفافية و الوفاء للشعارات .. و يبقى أكبر فشل هو فشل التعليم، الذي هو الأصل و السبب في باقي مظاهر الفشل .. يرتبط التعليم بالفساد بطريقة جدلية يصعب تفكيكها، لا نعرف من السابق عن اللاحق، و من البيضة و من الديك
لكي تعرف حقيقة فشل منظومتنا التربوية و التعليمية لستَ محتاجاً لتنتظر ما ستسفر عنه عملية تصحيح أوراق التحرير و لا نتائج المداولات؛ إذ تكفيك فرصة حراسة (مراقبة) مترشحين أثناء الإنجاز .. الحديث عن هذه التجربة قد ينتهي بنا بمقال مطول و مُستنزِف .. لذلك، هاكم بعض المشاهد و الانطباعات:
•مع الأجيال السالفة كان أقصى ما يمكن أن يقوم به المترشح هو أن يلتفت يمينا، أو حتى يسارا، لاختلاس نظرة من ورقة تحرير زميله .. اليوم أصبح المترشح/التلميذ يفاوض الأساتذة المراقبين، بل و حتى الملاحظ المبعوث من الأكاديمية نفسه للوقوف على سلامة الإجراءات المتعلقة بالامتحان
•يعتمد المترشحون على خطة تمويه ماكرة، لكنها فاشلة: يكون بحوزة المترشح أكثر من أربعة هواتف؛ و كلما سمع تحذيرا من جهة ما (المراقبين، رئيس المركز، الملاحظ) يَعمدُ إلى وضع أحدها تحت تصرف المراقبين، ذرا للرماد في العيون و درءاً للشك و التهمة، في الوقت الذي يفعل ذلك و هو منتشي ببقاء جهاز آخر بحوزته
•كثيرا ما تتحول قاعة الامتحان إلى ما يشبه دعاء الإمام من فوق منبر الجمعة، مع فارقٍ فارقْ، هو أن التلميذ يعتمد الدارجة في دعواته الموجهة للحراس : “أ أستاذ، رْخُوفْ علينا شوييا الله يرحم ليك الوالدين / الله يخليلك لميمة / الله يخليليك اللي عزيز عليك/”، ” أأستاذ و الله إلا هذا العام الثالث .. غير خمسة دقايق .. أأستاذ راه في الفيزيك البارح و الله إلا جاوبنا على سؤال واحد ..”
•تتحول القاعة إلى قاعة أعذار .. تختلف القواعد و القوانين من قسم لآخر و من مؤسسة لأخرى .. يكثر الغش .. تختفي القيم و تسود الحيل، و على رأسها مطالبة المترشحين بالذهاب إلى المرحاض .. هناك من يذهب و لا يعود إلا بعد مرور أكثر من 20 دقيقة
•ظاهرة الغش و مكافحته أصبحت لها أعراض و مؤشرات: كُلَّما كان الحراس صارمين و مخلصين لضميرهم المهني، كلما عَمَّ الضجيج في القسم و حاول الممتحنون الانفجار .. بالمقابل كلما ساد الصمت داخل القاعة إلا و أصبح ذلك مؤشراً على أن المترشحين مرتبطين “برضاعة ما”، يرضعون منها الأجوبة، و بالتالي لا مبرر لكي يبكي الرضيع
•تلاحظ، حتى و إن كان القسم يتعلق بتخصص علمي، فإن معظم المترشحين (المتمدرسين طبعا) لا يجيدون حتى استعمال الآلة الحاسبة .. كل ما يستطيعه أولائك هو رسم أجوبة من على شاشات الهاتف الذي يُصادر منه عدد هائل
خلاصة الأمر، هو أن الدولة و ما توفره من أطقم تربوية و إدارية و لوجيستيكية و مالية لا يعطي أي أُكل أو نتيجة .. كان حري بالدولة أن تمكن أطرها (خريجي الزمن الذهبي للمدرسة العمومية) من التفرغ للقيام بأشياء أعظم و أهم، مادام المترشح لا يُظهرُ أي استيعاب لما يَدْرسه خلال قُرابة تسعة أشهر، و أنه لا يعول على أي أحد في المنظومة، بل كل توكله و إيمانه موضوع في هواتفه العشرة من نوع Samsu