الانتخابات الفرنسية .. من المنهج السياسي التقليدي إلى الإصلاح الاجتماعي
عبد الصمد لفضالي
الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة لم تكن تقليدية، فالسيد إيمانويل ماكرون لا ينتمي لأي حزب سياسي، و لم يسبق له أن شارك في أي انتخابات كمرشح، وإنما دخل الساحة السياسية عبر تأسيسه لحركة ” إلى الأمام “، كما أن من المميز كذلك في هذه الانتخابات تفوق اليمين المتطرف – على غير عادته – في شخص السيدة مارين لوبين على الأحزاب السياسية الرئيسية التي دأبت على التناوب على الرئاسة الفرنسية، حزب اليمين أو الجمهوريين، وحزب اليسار الاشتراكي، فكان الفوز للسيد مانويل ماكرون الذي رفع راية الإصلاح الاجتماعي التعددي الفعال المرتكز على النزاهة و المناصفة و التشارك الاجتماعي، مع الارتباط بالاتحاد الأوروبي، كما جاء في أسس حركة ” إلى الأمام ” الفرنسبة، و ذلك على حساب السياسات التقليدية لفرنسا.
أما ما يتعلق بالسياسة الخارجية، فان الوافد الجديد للإليزي لن يخرج عن الخط التقليدي الفرنسي اتجاه إفريقيا، إلا إذا كان مرغما، وعالميا، فإنه سيبقى ضمن حلف الاتحاد الأوروبي في كل ما يرتبط بالمصالح الإستراتيجية العالمية الكبرى .
إن مهندسي الديمقراطيات الأوروبية بلغوا من الحكمة عتيا، و أضحوا يدركون بأن المجتمعات لم تعد تثق في المناورات ” السياسية ” بقدر ما تهتم بالمطالب الاجتماعية ( التأمين الصحي .. التعليم .. الشغل و الأمن و العدالة )، وهكذا ساند كل من الاتحاد الأوروبي و الدولة العميقة système politique français السيد إيمانويل ماكرون مؤسس حركة ” إلى الأمام ” الاجتماعية اللبيرالية .. و توجت هذه المساندة بعدم تصويت الفرنسيين على سياسة معينة، لأن الرئيس الفرنسي الجديد ليس له أي مرجعية سياسية، ولكنهم صوتوا للإصلاح الاجتماعي بهدف تفعيله كمكتسبات لا رجعة فيها، فالمجتمع الأوروبي بلغ من الوعي السياسي و الثقافي ما جعله لم يعد يعير أي اهتمام لتاريخ الأحزاب و رموزها، و أضحوا واعون بأنهم لن يسددوا فاتورات الماء و الكهرباء و الغاز، و يؤمنوا الصحة و التعليم بالشعارات السياسية المعدة للاستهلاك الانتخابي، ويظهر جليا ارتقاء المجتمعات الأوروبية ديمقراطيا و اجتماعيا و قانونيا في كون أي فضيحة مالية أو سياسية تكلف مرتكبها السجن أو الاستقالة، وفي هذا السياق، فإن الرئيس فرنسوا هولاند المنتهية ولايته، رغم إدراكه بحسه السياسي تفوق النهج الاجتماعي للسيد ماكرون و حركته على حساب حزبه، لم يناور ولم يفكر في الترشح مرة أخرى، احتراما لرغبة الفرنسيين الذين يعيشون و يتنفسون بالديمقراطية، خلاف بشار سوريا الذي يرفع شعاره الاستبدادي ” إما أنا أو لا أحد ” .. و من المرجح، أن تكون فرنسا رائدة التغيير، من المنهاج “السياسي ” التقليدي إلى الإصلاح الاجتماعي الواقعي .. فهل سيخجل العرب من مقارنة الوضع بسوريا مع الوضع بفرنسا ..؟ أم أنه لا حياء و لا حياة لمن ننادي .