ذ. عبد اللـه عزوزي
الصورة حديثة و هي لإحدى معاصر الزيتون بأحد دواوير جماعة الورتزاغ (تاونات) .. تظهر الصورة أن أيادي ما امتدت إليها و جردتها من سقف الزنك (القصدير) الذي ظل يحميها لعشرات السنين و يعينها على أداء مهمتها بكل إتقان و وفاء ، و المتمثلة في طحن محاصيل زيتون الأهالي و تحويلها إلى زيوت بلون الذهب الأصفر.
لكن، و مع تراجع الحس الجماعي لأهل القرى و استسلامهم للرأسمالية الجديدة التي استثمرت أموالها في بناء معاصر عصرية تفوق كلفتها أحيانا نصف مليار سنتيم، تضررت المعاصر التقليدية و تراجع دورها الاقتصادي و الاجتماعي، و أصبحت تتحول عاما بعد عام إلى خراب، أو مآثر، في أحسن الأحوال، خارج أضواء المجالس الترابية و انشغالات سكان الدواوير.
لقد شكلت المعصرة ثاني أهم مكان اجتماعي بعد المسجد، إذ يحتفظ الكثير من أجيال ما بعد الاستقلال بذكريات حول المكان .. مكان كان ينشط على مدى ثلاثة إلى أربعة شهور، و هي شهور لجني وعصر الزيتون الذي غالبا ما يتزامن مع أواخر الخريف و طيلة فصل الخريف .. و يعرف ما يشبه احتفالات (أفراح) يومية، يجتمع فيه حكماء الدوار و شيوخه لتبادل أطراف الحديث وتذكر الماضي، و التعبير عن مخاوف المستقبل، و كل ذلك و هم يحتسون أكواب الشاي، المُعَدَّة على النار، على وقع حوافر البغل، أو الحصان، الذي يَجُرُّ رحى المعصرة، و الذي يزيده تأثيرا و جمالية نوع ‘النوتات’ التي يُحدثها العمال و هم يلقون بالزيتون في مرمى الرحى بمجارفهم (ج.مجرفة) ..
ونظرا للحس الجماعي و التعاوني الذي كان يجمع آباءنا و أجدادنا، و الذي كان تجسيدا فعليا للآية الكريمة ” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ؛ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ/ سورة المائدة “، فإن تلك المعاصر كان معظمها يُبنى بشكل جماعي-تشاركي، خاصة و أن أحد أهم أعمدته هو نقش صخرة المعصرة و حملها من مسافات بعيدة و وضعها في قلب ما يسمى بالمائدة (المَايْدَة).
اليوم و َرَثَ اللاحقون ما بناه و نقشه السلف الصالح، و كانت أحسن طريقة في نظرهم لقسمة التركة (المعصرة) هو أن يفرق جلدها (سقفها) قصديرة قصديرة بين العوائل ..! هذه الظاهرة عامة بالمملكة، و يكاد لا يخلو منها مكان أو مدينة .. تشمل المعاصر التقليدية وكذا المنشئات الفنية و الاجتماعية التي تركها المستعمر كالمنازل و المدارس و المحاكم و المستشفيات..!
• باقي الصور :
هي صورة لبيت من بيوت المهاجرين الإطاليين الأوائل الذين استوطنوا في مدينة بلاتفيل (Platteville) بولاية ويسكونسن (Wisconsin) أقصى شمال شرق الولايات المتحدة، في القرن السابع عشر .. زيارتي لذلك الموقع كان ضمن فريق أكاديمي دولي يوم 13 يوليوز 2013 .. المثير في الأمر هو أن السلطات التي تولت تدبير شؤون تلك المدينة منذ ذلك الحين حافظت على تلك المنازل، أكثر من هذا جعلت منها مزارا سياحيا تضعه على رأس قائمة المواقع الجديرة بالزيارة التي تتحف بها زوارها .. البيت، الذي قدمت لنا فيه راهبات (متدينات) نبذة موجزة عنه كان يعطي الزائر انطباعا بأن قاطنوه الذين رحلوا قبل أزيد من 200 سنة هم فقط في جولة خارج البيت و سيعودون بعد قليل: كان يظهر السرير و الفراش، و المشط و الحذاء، و الفانوس الكلاسيكي (اللامبا)… !!
((فعلا نحن شعب لا يستحيي .. و لا يعرف كيف يعيش أو يتحضر..))
ملحوظة:
تجنبا للإطالة، سأخص مشروع تثمين معاصرنا التقليدية بتدوينة مستقلة عندما أحن للكتابة من جديد