العثماني ورئاسته حكومة المتناقضات الحزبية والإيديولوجية ..!
“برافو” للعثماني على سعة صدره في مواجهة اشتراطات الأحزاب التي يريد أن يتحالف معها، وهذا ما ساهم فيه تكوينه والوقار الذي يحظى به داخل حزبه، وإيمانه بالمرونة والانفتاح على الآخر .. ونظن في المستقلة بريس، لسان حال النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن السرعة التي تمكن بها من الحصول على الموافقة على تشكيل الحكومة من ستة أحزاب تعطي الانطباع بما يمتلكه الرجل في التفاوض السياسي الذي لم يكن يتوفر عليه الأستاذ عبد الإله بن كيران، لأن الحسم في مثل هذه المشاورات لا يمكن أن يكون بالتعصب والتطرف في المواقف .. وبالتالي، أن الإنصات إلى الآخر يمكن أن يحقق النتائج المتوقعة بالمقارنة مع التمسك بالمواقف النقيضة .. ولعل الأهداف الكبرى التي سهر التحالف الحكومي على ترجمتها في الندوة الصحفية التي عقدها رئيس الحكومة المكلف بعد حصول الاتفاق مع الأحزاب الخمسة التي حاورها هي التي مكنته من تجاوز “البلوكاج” الذي واجه بن كيران من قبل.
بالفعل، أحسن العثماني في إدارة المشاورات التي أنهت التعثر في الحوار، وفتحت المجال لتجاوز مهزلة المشاورات السابقة التي لم يتمكن بن كيران من حسمها لصالحه رغم وجود الاستعداد لدى الأطراف الحزبية التي حاورها .. ومن المؤكد، أن العثماني بناء على هذه المنهجية سيتمكن من الإسراع بهيكلة حكومته، وصياغة برنامجها في أقرب الآجال .. خصوصا، إذا لم يرضخ لصقور حزبه الذين برزت وصايتهم على بن كيران طيلة فترة المشاورات .. وفي هذا الإطار، لابد من الإشارة إلى أن الأحزاب ينبغي أن لا تحشر نفسها في المشاورات، لأنها غير معنية بالتكليف لتشكيل الحكومة، ولها الحق في إبلاغ مواقفها إلى من يمثلها في المشاورات التي تعنى بالحكومة في إطارها كحكومة ائتلافية لتسيير الولاية التشريعية والحكومية الجديدة المقبلة.
ما يمكن أن يستحضره العثماني وباقي شركائه في الحكومة التي سيقودها، أن الرهان في نجاح تكوينها وشروعها في مهامها مرتبط أساسا بتجاوز اختلاف المرجعيات الحزبية والإيديولوجية التي تؤطر أعضاءها، وأن تكون المرجعية الأساسية التي توجهها مبنية على القواسم الوطنية المشتركة التي توحد أعضاءها، والتي يجب ترجمتها في وظائف هذه الحكومة، بعيدا عن الحسابات الحزبية والانتخابية الضيقة، التي تقلل من الحماس الوطني ومن تجاوز هذه التناقضات المعبر عنها في برامج هذه الأحزاب الانتخابية، التي تتطلع إلى ترجمتها من خلال الحقائب الوزارية التي ستتحمل مسؤوليتها في هذه الحكومة التي ستدير هذه الولاية التشريعية والحكومية الجديدة، وهذا هو الهاجس الذي يجب أن يستحضره رئيس الحكومة، إن أراد أن ينجح في إدارته للتحالف الحكومي الجديد.
من المؤكد، أن التيار الهيمني على سلطة القرار في حزب العدالة والتنمية سيرى في قبول العثماني اشتراطات الأحزاب التي حاورها تراجع عن المنهجية الديمقراطية، وإذعان مشروط لمن كانوا وراء “البلوكاج” الحكومي الذي عجز بن كيران عن تجاوزه، وأنه سيكون له مفعوله على ميزان القوى داخل التحالف الحكومي الجديد، وسيترجم نفسه في برنامج الحكومة التي يقول قادة الأحزاب الستة على أنها ستكون قوية ومنسجمة في برنامجها وتدبيرها للحقائب الوزارية .. فهل سيتحقق ذلك في هذه الحكومة التي يراهن المغاربة على استجابتها لانتظاراتهم المتعددة والمتنوعة ..؟ وهل سينتصر أعضاؤها على حساباتهم الحزبية الضيقة في تصريف أعمالها على ضوء مكوناتها الحزبية التي تجتمع فيها كل الأطياف والإيديولوجيات ..؟ وهل ستسمح لرئيسها بإمكانية تجاوز متناقضاتها التي تعبر عن نفسها أثناء التدبير الحكومي خلال الولاية التشريعية والحكومية الجديدة ..؟
إن نفس المقدمات تؤدي إلى نفس النتائج، فهذا المبدأ الفلسفي والمنطقي لاتزال النخبة المجتمعية منقسمة بشأنه، فالبعض يعتبر ما جرى طبيعي بالنظر إلى العوامل التي تحكمت فيه، وهناك من اختزل الموقف بأن ما جرى كان منتظرا من خلال تدخل الأطراف الفاعلة التي تتحكم في المشهد السياسي والحزبي الوطني من مواقعها المؤثرة المعلومة، وهناك من أعاد ذلك إلى طبيعة التمرين الديمقراطي الذي انخرط فيه الفاعلون، والذي كان من الحتمي أن تكون نتائجه كالتي انتهى إليها .. وبين هؤلاء وأولئك، سيظل المشهد مفتوحا على جميع القراءات الممكنة حتى التي تعترف بشرعية الخلفيات التي أشرنا إليها في هذه الفقرات.
من الحتمي، كما قال العثماني في الندوة الصحفية، أن للمغاربة انتظارات يجب ترجمتها مع هذه الحكومة في الخدمات العمومية الأساسية، في التعليم والصحة والسكن، وفي الاقتصاد في مجالات التشغيل وخلق المشاريع والتنمية والحكامة الجيدة، وتقليص المديونية الأجنبية وتحسين التنافسية والجودة التي تضمن انتقال الميزان التجاري لصالح الوطن، خاصة بعد انفتاحه على القارة الإفريقية في إطار سياسة تعاون جنوب جنوب، ورفع نسبة النمو والناتج الداخلي، وتحسين القوة الشرائية ومستوى المعيشة، وتحقيق التنمية الجهوية والقطاعية الملائمة، والنجاح في مواجهة مناورات الخصوم في قضية الوحدة الترابية، وتوفير سبل مناعة الوطن في جميع المجالات، وهذه هي أهم التحديات المطروحة على حكومة سعد الدين العثماني.