ما هذه الهجمة المضادة والاستئصالية ضد حرية الصحافة والإعلام يا مسؤولينا المحترمين ..؟! (الجزء الأول)
لا يمر يوم على الصحافة والإعلام في بلادنا، دون أن ينتصب غاضبون من مسؤولينا في القطاعين العام والخاص ضد الحضور الذي أصبح يقوم به الفاعلون الصحافيون والإعلاميون ضد الفساد وسوء استخدام القانون، أو استغلال النفوذ إلى الدرجة التي تعالت فيها الأصوات الداعية إلى التراجع عن ما تبقى من الحريات العامة التي كرسها الظهير الشريف التاريخي، المتعلق بتأسيس الصحف وضمان حريتها في الممارسة المهنية الحرة والمستقلة ودعمها دستور 2011.
إذن، لماذا هذا الغضب يامسؤولينا اتجاه ما تنشره الصحف من انحرافات وتجاوزات ..؟ ولماذا هذا الموقف الرافض لما تقوم به الصحافة والإعلام كسلطة رأي عام وطني ..؟ ولماذا هذه السلوكات المفتعلة التي وصلت إلى حد المطالبة بالتقنين الاستئصالي لكل المنابر والمواقع الاجتماعية ..؟ وهل من مبرر قوي يشرعن هذه الأصوات التي تخاف من حرية الصحافة والإعلام ..؟ وهل هؤلاء المسؤولين يتجاهلون مشروعية الدور الإخباري والنقدي للإعلام والصحافة في نظامنا الدستوري الديمقراطي ..؟ أو يتجاهلون تذكير جلالة الملك بالدور الرقابي والإخباري للصحافة والإعلام ..؟
إن حقيقة هذه المواقف الرافضة لما تقوم به الصحافة والإعلام يعكس خوف أصحابها على مصالحهم وعلى الفضائح التي يرتكبونها، ولا يرغبون في متابعة الرأي العام الوطني لتداعياتها ونتائجها وأسبابها، لذلك يتصرفون بهذه الهستيريا المرضية ضد الصحافة والإعلام، ويسوقون لضرورة مراجعة جميع القوانين قصد تعميق القيود وعودة القبضة الحديدية على ما تبقى من حرية التعبير المنصوص عليها في دستور المملكة، وتضمنها كذلك كل المعاهدات والاتفاقيات ذات الصلة التي وافق عليها المغرب.
ليكن في علم الذين ينتظرون الشروع في تطبيق مشاريع القوانين الجديدة على أمة الصحافيين والإعلاميين، أن المنظومة الجديدة لا تحظى برضا وثقة عموم الفاعلين، لأن حالهم الاقتصادي والاجتماعي لا يسمح بتحقيق الأهداف التنموية المتوقعة من نشاطهم المهني في ظل الإكراهات التي يواجهونها في الواقع، وأنه لا حق لأحد في السماح لنفسه بتطبيق أي قانون بأثر رجعي، وأنه إذا حدث ذلك فسيكون على الفاعلين خوض المعارك القانونية التي تسمح لهم بالحفاظ على حقوقهم ومصالحهم، وأن المجال المسموح بالاجتهاد فيه، هو مراجعة كل الثغرات التي جاءت بها القوانين التي صادقت عليها الأحزاب، وفتح المجال من جديد للفاعلين عبر المقاربة التشاركية لصياغة القوانين التي تنظم مسارهم وتقوي الثقة في شرعيتها.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، المؤمنة حتى النخاع بمصداقية العمل الصحفي والإعلامي والمعارضة للممارسات التي تضر بحرية الصحافي والإعلامي، التي تتجلى في الخروج عن أبسط أخلاقيات المهنة وتسخير الموقع الصحفي والإعلامي للخدمة المؤدى عنها، والارتزاق المفضوح، والانحراف المهني، لا يمكننا بالمقابل دعم هذه الهجمة الشرسة والقبضة الحديدية التي تسعى لوبيات الفساد إلى استغلالها ضد الصحفي والإعلامي في نظامنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ونرفض الانفراد بإصلاح المشهد الصحفي والإعلامي كما ترجمته مشاريع القوانين التي لا زالت دون انتظارات الفاعلين، والمرفوضة جملة وتفصيلا لعدم مشاركتهم في صياغتها والموافقة عليها .. ولتتأكد الأطراف في الحكومة وخارجها من قوى الضغط الاقتصادي والحزبي أنه لا ديمقراطية بدون حرية حقيقية للصحافة والإعلام في تحصينها، وأن المغرب اختار بقيادة جلالة الملك محمد السادس حفظه اللـه المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي تصونه وتحرسه الصحافة والإعلام الحر والمستقل والمواطن والمسؤول.
حتى لا ينسى هؤلاء (…) أن وعي الفاعلين في الصحافة والإعلام بحقوقهم يؤهلهم لرفض هذه الإجراءات والمواقف التي يعبر عنها المسؤولون ضد الصحافة والإعلام، ولن يحلموا بفرض مشاريع القوانين التي صاغوها لحماية مصالحهم وامتيازاتهم وسلوكاتهم المتجاوزة لأبسط قوانين الوطن .. وبالتالي، أن المعركة مفتوحة ضد كل من سولت لهم مواقعهم ونفوذهم أنهم يملكون الحق في هذه السلوكات المضادة لما تبقى من ظهير الحريات العامة الذي يؤكد على حرية الصحافة ودورها في الإخبار والتنوير والمساءلة.