سياسة دونالد ترامب الغير تقليدية
عبد الصمد لفضالي
إن الولايات المتحدة الأمريكية تحكمها مصالحها المسطرة بتدقيق من طرف الكونغرس و البنتاغون و الأمن القومي بمخابراته المختلفة، وغيرها من المؤسسات و اللوبيات الاقتصادية و السياسية و الإعلام، و ليس على الرئيس المنتخب إلا قيادة هذا الروبوط المؤسساتي أو السيستيم (systéme ) العملاق بكل انسجام مع ما يتوافق مع المصالح الأمريكية، لكن وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة رغم تعرضه منذ بداية الانتخابات إلى معارضة قوية من طرف الديمقراطيين، و كذلك الجمهوريين، وبموقف إعلامي شبه إجمالي بمساندة المؤسسات النافذة في الولايات الأمريكية المتحدة، فاجأ الجميع، سواء داخل أمريكا أو خارجها، مما سيربك شيئا ما السياسة الأمريكية، حيث استغلت اللوبيات المعادية للإسلام الشخصية العنصرية و المندفعة لدونالد ترامب للضغط على المؤسسات الأمريكية الحساسة، مما نتج عنه ميل مسؤولي الأمن القومي الأمريكي إلى تصنيف كل التيارات و الحركات الإسلامية في خانة الإرهاب، مما من شأنه زعزعة علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بمعظم الدول الإسلامية، من تركيا كدولة نافذة في منطقتها، لا تستجيب للابتزاز و لا تركن للإضغان بقدر ما تعرف كيف تستغل أزماتها في اتجاه القوة و النفوذ، و حادثة إسقاط الطائرة الروسية بالأراضي التركية ليست ببعيد، إلى تونس كدولة تحاول أن تبرهن على أن التيارات أو الأحزاب السياسية يمكن أن تتعايش و تستوعب المكونات السياسية الأخرى، أو على الأقل أن تشارك في الحياة السياسية بكل مرونة عكس ما تقوم به المذهبية التي تستغل كوقود للإرهاب وعدم الاستقرار ( العراق سوريا و ليبيا و اليمن ) بتجييش من قوى انتهازية داخلية و خارجية .
و لا يمكن تفسير قرار دونالد ترامب المتعلق بمنع مواطني السبع الدول المسلمة ( إيران ، العراق و سوريا ، ليبيا ، الصومال و السودان و اليمن ) من دخول الولايات الأمريكية المتحدة إلا بأن هذه الدول دول مارقة لتعميق الهوة بينها و بين الدول الخليجية، بهدف الابتزاز و تحريك مصانع الأسلحة الأمريكية، عكس محللين سياسيين آخرين يتوقعون تأثيرات إيجابية للمهاجرين المسلمين على السياسات و العلاقات الدولية بعد اندماجهم في المجتمعات الغربية.
إن دونالد ترامب لم يهاجم مواطني الدول السبع المسلمة فحسب، بل سبق أن هاجم بعض الدول الخليجية بوصفها دولا لا تملك إلا المال، و ذلك عند تطرقه مؤخرا إلى إعادة بناء مناطق بسوريا ” آمنة ” للمدنيين السوريين .. فهل سيتساءل الرئيس دونالد ترامب عن مدى مصالح أو خسائر الشعب الأمريكي في حالة غلوه في العنصرية و إضغانه لتوجهات اللوبيات المناهضة للإسلام ..؟ وهل سيعرف بأن الإسلام ليس هو الإرهاب، و أن الإرهابيين و غيرهم من المتمردين في كل مكان و زمان يتحركون تحث مسميات إيديولوجية و دينية و مذهبية و عرقية لكسب ما يعتقدونه ” شرعية “..؟ أم أن هذا الوافد الجديد للبيت الأبيض مقتنع بأن اللوبيات الاقتصادية و السياسية العالمية المعادية للإسلام أقوى و أكثر تأثيرا من الدول الإسلامية المستهدفة، و أن العلاقات الدولية ترتكز على القوة و التنفيذ و ليس الاحتجاج و التنديد، و رفع التظلمات إلى الأمم المتحدة، بدليل أن حق النقض الدولي ” الفيتو ” منح للدول الخمس ( الولايات المتحدة الأمريكية ، روسيا و إنجلترا ، فرنسا و الصين)، باعتبارها دولا منتصرة، أو قوية بعد الحرب العالمية الثانية .
كما أنه يمكن لدونالد ترامب أن يتخذ صيغة معينة للتخفيف من سياسته العنصرية ليس بسبب التنديد و الاحتجاج و قلق الأمين العام للأمم المتحدة، و لكن بسبب الخوف من جر الولايات المتحدة الأمريكية إلى بعض الانقسامات الداخلية و العزلة، بسبب الضغوطات الأمريكية الداخلية (المنظمات الحقوقية، و الهيئات القانونية و الأقليات و الأمريكيون من أصول إفريقيية )، بالإضافة إلى ضغوطات الدول الوازنة مثل كندا، ألمانيا، فرنسا و الصين التي أقدمت على تحريك صواريخها الباليستية النووية نحو الحدود الشمالية الشرقية للبلاد للرد على ما وصفته ب ” العدوانية ” في خطاب ترامب ضد الصين .
كما أن أكبر ردع لسياسة ترامب يكمن في مبدأ المعاملة بالمثل للمسافرين الأمريكيين نحو الدول الإسلامية، فولاية الرئيس الأمريكي الجديد حبلى بالمفاجآت .