معركة حلب وانكشاف مخطط بلقنة الشرق العربي ..!
لم يبق لدول الغرب التي تقودها أمريكا في الشرق الأوسط ما يمكنها من تبرئة نفسها من الهرولة لتكريس خريطة الشرق الأوسط الجديد، الذي كان يستهدف خلق كانتونات طائفية متناحرة صغيرة تستطيع إسرائيل التحكم فيها لحماية مصالح الغرب في المنطقة والدول الإقليمية المتورطة فيه، وتفضح أن انتصار محور المقاومة بقيادة سوريا وإيران وحزب اللـه في معركة حلب الأخيرة قد فجر المسكوت عنه في السياسات الغربية التي كانت جاهزة للترجمة، ومن المتوقع أن تنكشف باقي أسرار المخطط الغربي الهيمني مع استكمال تحرير سوريا من عربدة الجماعات الإرهابية الممولة من الغرب.
على عكس التيار المتعاطف مع المدنيين في حلب، الممول للدعاية إلى جرائم النظام السوري وحلفائه في المدينة، فإن ما كشفته وسائل الإعلام يوضح بجلاء هول التزييف الذي مارسه الإعلام الغربي وإعلام الدول الإقليمية المتورطة في الملف السوري، بدل فضح ما ارتكبته العصابات الإرهابية من قتل وتدمير للمدينة الذي يفوق ما اعتبر عمليات استئصال ومحور للوجود الإنساني والعمراني والاقتصادي في مدينة حلب، التي تتجه الأحداث فيها إلى الحسم مع عيش الحركات الإرهابية المرتبط بالمعسكر الغربي.
إن ما أفرزته معركة حلب هو الوضوح الكبير لطبيعة المخطط الغربي في سوريا، الذي كان يستهدف إسقاط الدولة السورية وتحويلها إلى دويلات صغيرة متناحرة، لتأمين الوجود السوسيوسياسي واقتصادي لإسرائيل في المنطقة، وهزم محور المقاومة المضاد لهذه المخططات الغربية الاستعمارية الجديدة، ويصعب على منظري معسكر أمريكا وحلفاؤها من الدول الإقليمية تكذيب حقيقة هذه المعطيات التي توضح طبيعة التورط الغربي الهادف إلى اقتلاع جذور من يعارض إسرائيل وحماتها من دول الغرب الاستعماري، ويتوقع أن يحسم محور المقاومة معركة حلب ويتجه إلى تحرير باقي المناطق التي وقعت تحت سيطرة “داعش” وباقي الجماعات الإرهابية.
لن يكون بإمكان الغرب فرض شروطه على الدول التي حاول القضاء عليها في العراق وسوريا، اللتان تتجهان إلى الحسم مع مليشياته الإرهابية في المنطقة، وباقي الشركاء من الدول الإقليمية التي أصبحت عارية في عمالتها المستفزة للغرب، وقد بدا واضحا أن الأوراق التي كانت بيد الأطراف المتورطة في الحروب الأهلية للعراق وسوريا واليمن تعرف أن ميزان القوى أضحى في كفة محور المقاومة الذي أفشل كل المخططات التي حيكت له على امتداد العقدين الأخيرين، انطلاقا من مؤتمر القمة العربي في بيروت، الذي حضره الراحل الملك عبد اللـه الذي أعلن عن توجهاته ضد المعسكر الذي تقوده أمريكا وإسرائيل الذي اتضحت حقيقته في المهزلة التي يسمونها الربيع العربي الديمقراطي، الذي فشل في كل الدول العربية التي عاشته منذ سنة 2011.
هذه هي عناوين معركة حلب الأخيرة، التي أصبح ميزان القوى فيها لصالح محور المقاومة الذي لم يعد بإمكان المضاد الأمريكي والأوربي الغربي يمتلك وسائل للمواجهة المفتوحة في العراق وسوريا واليمن ومصر التي أدى نجاح ثورة 30 يونيو 2013 إلى تعرية المسكوت عنه في نشاط ودور الإخوان المسلمين لصالح الغرب، وإنهاء القضية الفلسطينية، وتمهيد الطريق للخلافة الإسلامية العثمانية من جديد، واحتواء الإرهاب الذي كان يثير مخاوف أمريكا و أوربا الغربية من أفغانستان حتى المغرب العربي ودول الساحل والصحراء في إفريقيا، وشريط دول جنوب وشمال وشرق وغرب إفريقيا الذي تمتد فيه دول موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد ونيجيريا والسودان.
إذن، فتحت معركة حلب المجال لإقناع من لا يزال يشكك في طبيعة المشاريع الاستعمارية التي تم إنجازها للمنطقة العربية والعالم الإسلامي، تحت أكثر من مسمى وشعار دعائي، كمحاربة الاستبداد و الفساد وتأهيل المنطقة ديمقراطيا وحداثيا، وما هو في الواقع إلا ترويض وإجبار شعوب المنطقة على القبول بالشرق الأوسط الكبير الذي تعيش فيه لإسرائيل بصورة طبيعية مع بقية شعوبه، وتمارس فيه دور الدركي لحماية المصالح الغربية الاستعمارية الجديدة.
لنترك في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التعليق على الأحداث في هذا الشرق الأوسط الذي يراد له أن يقبل بالمشروع الصهيوأمريكي و أوربي غربي حتى وإن كانت شعوبه ترفض ذلك، وستكشف الأيام المقبلة عن باقي تفاصيل هذا المخطط بكل ما تم تحضيره والتفكير فيه لأنهاء كل جذور المقاومة ضده من الشعوب والقوى المدنية الحزبية والنقابية، ومن الأنظمة المحلية التي ترفض التدخل الاستعماري وتؤمن بالتطور الديمقراطي والاقتصادي الملائم لأوضاع مجتمعاتها وطموحاتها.