إلغاء المجانية لا يساعد على النهوض بالنظام التعليمي ولا بتحقيق الجودة في منظومته .. !
لعل ما ذهب إليه الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم في الحوار الذي أجرته معه يومية المساء، يمكن أن يعفينا من تضخيم مساحة النقد الموجه للتوصية الصادرة عن المجلس الأعلى للتعليم، القاضية بإلغاء المجانية في التعليم الثانوي والعالي .. وللإنصاف، فإن مفاتيح تجويد المنظومة وتحقيق الحكامة يمكن أن ينطلق من معاقبة المتسببين في اختلالات برنامج الإنقاذ الاستعجالي التي تنتظر تحويل ملفاتها إلى القضاء.
إن التعبير عن الجدية والفعالية في أعمال المجلس الأعلى للتعليم يجب أن لا تنطلق بالمطالبة بإلغاء المجانية، بدل الانكباب على المشاكل التي تطرحها الأزمة البنيوية والهيكلية في نظامنا التعليمي الذي صرفت عليه الملايير عبر كل مشاريع الإصلاح دون جدوى حتى الآن، عوض المبادرة بهذه التوصيات التي تكشف عن التقصير والتجاهل المتعمد بالواقع التعليمي في كل جوانب أزمته الملموسة اليوم في قلة الأطر والاكتظاظ والهدر المرسي التي ألحقت أبناؤنا بمدارسهم في ظل ضغوطها التي يدفع ثمنها حاليا الآباء والمدرسون فقط.
إن الضجة التي رافقت ما تسرب عن اللجنة التي تكلفت بالموضوع، وصياغة التوصية التي سيعتمد عليها رئيس الحكومة لتوظيفها في تطبيق سياسة الخوصصة في التعليم بعد نجاحه في فرض التغطية الصحية لفقراء الوطن في قطاع الصحة بدون مفعول حقيقي لقيمتها في الحصول على الخدمات الصحية .. وبالتالي، الإعلان الكامل عن إذعان الوطن لسياسات وقرارات المؤسسات المالية الدولية التي تلح على تخفيض الإنفاق الاجتماعي لتأمين سداد الديون التي تحصل عليها الحكومات لضمان التوازن الموازناتي السنوي.
لن نعيد التعبير عن رفضنا ضمن الجبهة الوطنية النقابية والحزبية والمدنية الرافضة لمشروع إلغاء المجانية الذي لم يتم الحسم فيه على مستوى المجلس الأعلى للتعليم حتى كتابة هذه السطور، ولا يسعنا إلا مطالبة كافة الجهات المعنية بهذا الملف بضرورة مراجعة موقفها والإبقاء على شرعية المكاسب الوطنية في الحفاظ على مغربية و وحدة ومجانية المدرسة العمومية، التي كانت عنوانا صريحا لاستقلال المغرب وسيادته في تعليم أبنائه في حضن المدرسة المغربية التي خرجت كل النخب التي تعاقبت على تدبير وحماية استقلال الوطن، واستمرار المكاسب التي يتمتع بها أبناؤه، والمكرسة باستمرار في كل دساتيره حتى دستور 2011.
لن يختلف معنا المهتمون بقضايا التعليم وأعطابه ومشاكله الجوهرية من أن تحقيق الجودة في المنظومة مرتبط بمساهمة وعطاء هذا المجلس، عبر الاقتراحات والتوصيات والدراسات التي يجب أن يقوم بها قصد تحقيق هذه الجودة والانتقال به من تعليم للحفظ والتلقين الذي لا يساعد إلا على ترسيخ عطالة وسلبية القدرات العقلية والمهارتية لدى المتلقين في كل الأسلاك التعليمية التي تحرم المدرس من الاشتغال على ما توصلت إليه المدرسة المعاصرة من تطور منهجي ومعرفي في جميع المواد الدراسية العلمية والأدبية والتقنية والفنية، إلى تعليم ذو جودة عالية .. فهل سيسمح المجلس الأعلى للتعليم عبر النخبة التي تؤطره في القيام بهذه المهام مع الفاعلين التربويين .. مدرسين .. موجهين .. مراقبين وإداريين في أفق تحقيق الجودة المطلوبة من هذا التعليم ..؟
لسنا ضد التيار أو هواة الفرملة لذوي الإرادة الخيرة والمعرفة للنهوض بتعليمنا في كل أسلاكه، و وجود المجلس الأعلى للتعليم يشكل وحدة أخذ المطالب التي كان النضال المجتمعي حولها .. لذلك، يجب أن تعمل هذه المؤسسة المنتخبة للاستجابة لتطلعات المجتمع في التعليم المنتج والديمقراطي والمواطن الذي يترقبه جميع المغاربة، وهذا ما يجب أن يحرص عليه المجلس الأعلى للتعليم و القيام به، سواء في الوقت الراهن أو المستقبل، بدل إغراق نفسه في متاهات النقاشات العقيمة التي تضر بمصداقيته في نظر السواد الأعظم من الشعب، وهذا ما لا نتمناه لهذه المؤسسة التي يؤطرها من يمثلون كافة الحساسيات النقابية والحزبية والمدنية، وذلك أضعف الإيمان، وإغلاق الحوار حول مثل هذه القرارات التي لا يوافق عليها أبناء الوطن كافة، ولمن يريدون فرض الرسوم على الأسر لتغطية تكاليف الإصلاح، نقول لهم أن الطبقة الغنية والعائلات الميسورة لا يعلمون أبناءهم في التعليم العمومي .. وبالتالي، فإن ربط التكلفة بإلغاء المجانية سوف تتضرر منه العائلات الفقيرة التي تمثل 10 مليون من المغاربة، والطبقة المتوسطة التي تلاشت قدراتها في ظل النهج الاقتصادي الليبرالي المتوحش، الذي تعمل الحكومة الموقرة على سجن الوطن فيه، والذي لا يخدم إلا الفئة الميسورة التي تمثل 10 %، من مجموع السكان.