من يعرقل تشكيل حكومتكم الموعودة يالسي بن كيران ..؟!
مع تصلب مواقف الأحزاب السياسية التي يحاورها بن كيران من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، وتعامله الانفعالي مع معطياتها، يتبين أن هناك من يعمل في الظل على التحكم في مسار المفاوضات، سواء من داخل البيت الحزبي لابن كيران أو من خارجه، رغم أن جميع الأوراق بيده للخروج من هذه الأزمة المفتعلة التي تحاول الالتفاف على ما جاء في الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 41 للمسيرة الخضراء، الذي أكد على تشكيل حكومة قادرة على الاستجابة لانتظارات المغاربة، وتفعيل الدور الجديد للوطن في محيطه الإفريقي.
إن المطلوب من بن كيران في مشاوراته أن يتبنى هجوما على محاوريه، انطلاقا من شرعية صدارته لنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وأن يكون له برنامج واضح يمكن أن يشكل موضوعا للمشاورات، كما ظهر في مطالب هذه الأحزاب في جرائدها، وفي تصريحات قيادييها في المواقع الاجتماعية .. ونظن أن حزب “البيجيدي” لا يفتقر بحكم الفئات التي انخرطت فيه إلى ما يسمح له بصياغة البرنامج الحكومي الكفيل بتحقيق نجاح المشاورات، إلا إذا كانت هناك ضغوطا تريد أن تفرض توجهاتها على طرفي الحوار الحزبي في موضوع تشكيل الحكومة المقبلة.
إن بن كيران، يعرف من خبرته بالمشهد السياسي الوطني أنه لم يعد بالإمكان اللعب على ثقة الأطراف الحزبية بنفس المنهجية التي تشكلت بها حكومة الولاية السابقة، وأن توجهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس بخصوص هوية الحكومة، أصبح يفرض شروطا أخرى، سواء على الحزب المتصدر لنتائج الاقتراع البرلماني، أو الأحزاب التي يتفاوض معها التي تقتضي من الجميع التوصل إلى فتح الطريق إلى تشكيل الحكومة حسب هذه المواصفات المطلوبة، وليس كما ظل بن كيران وغيره من قيادي “البيجيدي”، كالعثماني ويتيم وحامي الدين الذين يرددون من أن الإشكال يكمن في عدم استقلال الأحزاب في قراراتها، وفي وجود التحكم والمخزن والدولة العميقة، مع أن هذا الإكراه غير موجود وعار من الصحة، ولا يوجد إلا في ضمائر بن كيران وفريقه الحزبي، الذي يريد أن تشكل الحكومة حسب المقاص الذي يسمح لهم بالقدرة على التحكم فيها، رغم طابعها التحالفي النسبي الذي لا يستطيع فيه رئيسها ممارسة اختصاصاته كزعيم للأغلبية المطلقة.
ليس بإمكان بن كيران العزف على المظلومية، وباقي الضغوط التي كان يبرر بها فشله في تدبير المشاكل والملفات التي واجهها خلال الولاية الحكومية السابقة، وما عليه اليوم إلا مصارحة مناضلي حزبه وعموم المغاربة بافتقاره إلى الرؤيا المناسبة لمشاكل المرحلة، وإلى المنهجية التي يستطيع بواسطتها إدارة المفاوضات مع من سيتحالف معه في الحكومة القادمة .. فكل المؤشرات توضح بالملموس عقم الإستراتيجية التفاوضية التي يمارسها في مشاوراته التي لا يتوقع أن ينجح فيها بالاعتماد على ما تسرب منها حتى الآن، مما يعني أنه مطالب إذا ما أراد النجاح في مشاوراته أن يمتلك الحد الأدنى من الوسائل التي تمكنه من إقناع محاوريه، وتجاهل حلول آخر لحظة، التي قد يتمكن منها، فهذا لا يساهم في إضفاء المصداقية على تحركاته الراهنة التي لم تكن موفقة، سواء مع أحزاب الكتلة أو مع باقي الأحزاب الأخرى.
لن ننوب عن بن كيران في منهجية النقاش ووسائل النجاح فيه، فعلى ضوء ما سيقدمه من تنازلات ستكون الحكومة المقبلة .. وما عدا ذلك، سيجد نفسه مجبرا على الانتظار، وهذا ما لا يرغب فيه بعد شهرين من المشاورات التي تأكد للجميع أن طابعها المارطوني يعود إلى عدم الالتزام بما تطرحه الأحزاب التي تبين لها أن بن كيران لا يملك الاستقلال في اتخاذ القرار، وأن صقور حزبه يبحثون عن الحلفاء الذين لا يمكنهم التنكر لتوجيهات حزبهم .. وبالتالي، أن صعوبات الحوار اليوم تعود بالأساس إلى تخوفات هذه الصقور من ضياع المبادرة من بن كيران الذي يرغب في تشكيل الحكومة بأي ثمن.
نتمنى في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن يشكل الحوار بين الأطراف المعنية تشكيل الحكومة بالوصول إلى التوافق والانفراج، والإعلان عن تحقيق التراضي حول الموضوع للدخول في بقية مراحل تشكيل الحكومة .. والأمل كبير بالنسبة للمغاربة وللسير الطبيعي لمؤسسات الدولة في انتظار هذه الحكومة العتيدة، التي ستريح البلاد والعباد في أفق شروعها في مهامها في أقرب الآجال .. وبين الأمل والواقع الراهن للمشاورات ينتصب التخوف من ما يسمونه “البلوكاج”، وافتقار الأحزاب السياسية إلى الحرية في القرار كعقبات حقيقية، كما لاحظنا ذلك في فقرات هذا المقال، أنه لا توجد عقبات حقيقية تمنع رئيس الحكومة المعين من استكمال المشاورات وتشكيل الحكومة الموعودة، وأن هذه العقبات مجرد أوهام افتراضية لتبرير الفشل في الحسم في أسباب الخلافات المطروحة في هذه المفاوضات التي ستنتهي حتما بتشكيل الحكومة، حتى وإن تقدمت عوامل التوافق حولها من قبل هذه الأطراف الحزبية التي تتعارض مع بن كيران حاليا.