ذ. عبد اللـه عزوزي
عبر التاريخ عُرِفَ كانون الأول بأحداث تاريخية غيرت مجرى التاريخ، و السبب في قدرة دجنبر على تجييش الجماهير غير معروفة لحد الساعة، لكن يجوز لنا أن نجزم أن القرارات المتخذة في بحره لها علاقة بنفسية القادة و الجماهير التي تكون متأثرة بطقس هذا الشهر الذي يشكل فترة انتقالية بين فصلي الخريف و الشتاء، وهي مرحلة معروفة – حسب الإسكندنافيين- بالكآبة، والضباب، وعدم وضوح الرؤية والرغبة في الانتحار.
لا ندري هل هذا ينطبق على محطة يوم غد، لكن قراءة ولو بسيطة للمشهد الوطني، توحي بأن دواعي الإضراب قائمة، وأن درجة الاستجابة له عموديا وأفقيا جد عالية، خصوصا وأنه يأتي في فترة فراغ حكومي هندسه “البلوكاجيون”، (Bloqueurs) وظهرت خلاله أيادي خفية لا يُحزِنُها العبثتُ بالمسار الديموقراطي للبلد وبمبدأ التداول السلمي على السلطة.
البلد يقترب من مشهد مسافر في الصحراء لا علم له بما تخفيه الرمال تحت قدميه، و لا بما تخفيه الكتبان الرملية والجبال الصخرية وراءها.
طيلة الولاية الحكومية السابقة (يناير 2012 – شتنبر 2016) كان الطابع السائد لنداءات الإضراب من طرف بعض المركزيات النقابية، والتنسيقيات الوطنية، هو الاستجابة المحدودة من طرف الشغيلة، ليس بسبب عدم مصداقية مطالب الجهات الداعية للإضراب، وإنما لسببين رئيسيين: أولهما هو إدراك نفس الشغيلة أن مسلسلا سياسيا و ديموقراطيا كان حاضراً، وأن حوارا اجتماعيا ما كان مفتوحا .. و ثانيهما هو عدم استجابة القطاعات التابعة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب (UNTM)، كذراع نقابي داعم لاختيارات رئاسة الحكومة، لتلك النداءات، ليس من مُنطلق “المَنطق”، و إنما تحت إملاءات الإحساس بالحرج و التناقض النضالي و السياسي.
اليوم، توقعات نجاح إضراب يوم غد جد مرتفعة، و السبب أن كل المركزيات النقابية و الاتحادية – بما فيها و.ش.م – توجد خارج اللعبة، وأن لا أمل يلوح في الأفق، في ظرف سياسي سِمَتُه الأساسية “عدم اليقين – uncertainty” و الفرملة اللاأخلاقية لإرادةِ شعبٍ يريد أن يكون الأقرب ديموقراطيا، و ليس جغرافيا فقط، لأوروبا؛ و أن يبتعد كل البعد أن تجارب سياسية و شعبية — “شرقأوسطية” على الخصوص– أصبحت أضحوكة مُبكِية في العالم، و سيتكلم عنها التاريخ، بعد خمسين سنة من الآن، بكثير من الأسف و الاستنكار كما يتكلم الحداثيون اليوم عن حروب هتلر و فرانكو التي طبعت المنتصف الثاني من القرن الماضي.