المشهد السياسي الوطني وهيمنة الخطابين النخبوي والشعبوي ..!
يمكن للجميع الاطمئنان على مستقبل الخطاب السياسي في مشهدنا الوطني .. فزعماؤنا في الأغلبية والمعارضة أصبحوا يتناوبون على المغاربة بالخطابين الشعبوي والنخبوي، ولا حاجة إلى الفحص التقني لوصول هؤلاء الزعماء إلى ما يؤكد افتقادهم إلى الصلاحية والفعالية في استعمال هذين الخطابين في التواصل مع المواطنين أثناء الحملات الانتخابية .. فجميعهم لا يمتلكون ما يؤهلهم للاشتغال بالخطابين في التجمعات الانتخابية لتقديم وشرح برامجهم التي لن تكون إلا نسخة واحدة منقحة عن البرامج الانتخابية التي تقدم عادة في مثل هذه المناسبات.
ليس لنا في المستقلة بريس الرغبة في إصدار هذا الحكم التقييمي للخطاب السياسي الذي اعتادت أحزابنا في الأغلبية والمعارضة على تقديمه في الحملات الانتخابية، أو أن لنا مواقف وحسابات خاصة من أحزابنا في الأغلبية والمعارضة، فما نريد طرحه في عنوان هذا المقال هو التساؤل الذي يطرحه المواطنون عن الجدوى من لغة الخطاب النخبوي والشعبوي الذي تحرص أحزابنا على الالتزام به في التعامل مع المواطنين ..؟ ثم القيمة المضافة التي تحصل عليها الأحزاب في الاستمرار في التواصل الانتخابي مع المواطنين بهذين الخطابين النخبوي والشعبوي ..؟ ولماذا لا زالت مصرة على التمسك بذلك ..؟ ولماذا لم تع بأن المغاربة أصبحوا يفهمون الأهداف من هذا الاستخدام لهذين الخطابين ..؟
طبعا، الخطاب النخبوي تحرص الأحزاب المحسوبة على المعارضة على الالتزام به، لكن الملاحظ أنها لا تجتهد في ترويضه مع الواقع المغربي، إضافة إلى ضعف مضمونه في شرح وتحليل محاوره، سواء المتعلقة بمحاسبة الحكومة ونقد الجوانب السلبية في سياساتها العمومية، أو في طرح المقترحات والبرامج البديلة .. أما الخطاب الشعبوي فمن اسمه يكتشف المواطن العادي عقم وضعف من يوظفه في الحملات الانتخابية، ناهيك أن اللجوء إليه يستهدف دائما البحث عن ما يبرر فراغ وسطحية وعي ممارسه، إلى جانب رهانه على الشرائح المجتمعية الأكثر بؤسا وضعفا في وعيها الحزبي والسياسي.
إن المغاربة بعد سلسلة التجارب الانتخابية المتعاقبة أصبحوا أكثر وعيا بما يستهدفه الخطاب النخبوي والخطاب الشعبوي، وأن معظمهم يترقب عدول أحزابنا ونقاباتنا عن الاستمرار في التعامل معهم عبر هذين الخطابين، وأنهم ينتظرون في الاستحقاق التشريعي ل. 07 اكتوبر 2016، تنزيلا حقيقيا لمبدأ ربط “المسؤولية بالمحاسبة” في صياغة هذين الخطابين من قبل أحزاب الأغلبية والمعارضة، وأن تجربتنا المغربية الديمقراطية أصبحت في حاجة إلى الإقلاع عن العمل بهذه الأساليب والوسائط الدعائية التي شاخت وأصبحت جيناتها عاجزة عن النمو والاستمرار، وأن المغاربة لم يعودوا سذجا لتحمل سخافاتها وحماقاتها.
ما نختم به مقالنا عن طبيعة الخطاب في البرامج الانتخابية لأحزابنا هو أن تصليب الديمقراطية والاشتغال الجيد عليها أصبح يتطلب من جميع ممارسيها الرهان على الأرقى والأفضل في الصياغة اللغوية، وفي تحديد الأهداف والأولويات التي يقوم عليها البرنامج الانتخابي، سواء كانت الجهة التي تقدم هذا البرنامج من الأغلبية أو المعارضة حتى يكون للانتخابات معنى حقيقيا وتأثيرا على وعي الناخبين الذين يشاركون فيها، وحتى تكون كل انتخابات مناسبة للتقييم والاجتهاد والبناء، كما هو ملموس في النظم الديمقراطية العريضة.