بين تواضع أداء المؤسسات الحزبية والنقابية والمدنية وعنتريات قياداتها المثيرة للضحك ..
مع اقتراب موعد الجذبة البرلمانية بدأت قيادات أحزابنا ونقاباتنا ومجتمعنا المدني تتحرك لتسليط الأضواء عليها في أفق إضفاء المشروعية على حضورها في الاستحقاق البرلماني المقبل، وهو تحرك مألوف وموسمي، وأصبح من المفروض التخلي عنه بعد أن أضحى سلوكا مثيرا للسخرية والشفقة على هذه الزعامات التي شاخت في مواقعها، ولم تعد قادرة على تقديم القيمة المضافة لأحزابها ونقاباتها ومجتمعها المدني، فبالأحرى للمواطنين في هذه المحطات الانتخابية.
لسنا في المستقلة بريس في حاجة إلى التعريف بهم، أما الموسميون في عملهم فهم على بينة من حكمنا وموقفنا من سلبية وعبثية وجودهم في مشهدنا الوطني الحزبي والنقابي والمدني، وبصفة عامة لا زالت مكونات مشهدنا الوطني تراوح مكانها في ضعف تأطيرها وأداء مهامها نتيجة لظروف نشأتها التي لم تتحرر من سلبية حضورها، ومن العجز في الارتقاء بوظائفها التي لن تتطور إلا من خلال امتلاكها للممارسة التنظيمية والتأطيرية والنضالية الحقة، ومن ارتقاء شروط هذه الممارسة وفق ما تقتضيه من ديمقراطية وتداول وحكامة وشفافية في كل مجالات تصريف عملها لصالح الفئات المجتمعية التي تعبر عن همومها وتطلعاتها.
ربما يكون الحق مع شيوخ قبائلنا الحزبية والنقابية في عدم هضم هذه المسلمات في أداء مهامها التي لا يتخلون عنها ويعتبرون وجودهم فيها معبرا عن المؤهلات والخبرات الخارقة التي لا يملكها المنتمون إلى قواعدهم في الأجهزة المقررة في أحزابهم ونقاباتهم وجمعياتهم، وفي هذه المسلكيات لا يختلف هؤلاء مع فلول الانتهازيين الذين لا يلتحقون بهذه الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني إلا لتأمين مصالحهم الشخصية بواسطة المواقع التي يصلون إليها على حساب المناضلين الشرفاء في هذه المنظمات الحزبية والنقابية والمدنية.
لن نمارس في هذا المقال من موقعنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، توجيه الاتهام والنقد للآخرين، فتحى نقابتنا الإعلامية والصحفية تعاني من هذه الظواهر المرضية، ولازلنا نواجه من حين لآخر مثل هذه النماذج التي تبحث عن مصالحها على حساب النقابة.
إن ما جاء في فقرات هذه القراءة لمشهدنا الحزبي والنقابي والمدني يدعونا لأن لا نغفل أو نتجاهل من أصبحوا يعتقدون أنهم يمتلكون الشرعية الجماهيرية والانتخابية من زعماء أحزابنا ونقاباتنا ومجتمعنا المدني، وأنهم خارج المساءلة ويتوفرون على ما يسمح لهم بتحقيق أحسن النتائج في جميع الانتخابات، وأن ثقة المناضلين والناخبين وعموم المواطنين فيهم عالية وإما هم أو الطوفان.
لن نشكك في الذين يحترمون الثقة التي يضعها الناخبون فيهم، بغض النظر عن هوية الحزب الذي ينتمون إليه، والبرنامج الانتخابي الذي ينزل به هؤلاء لهم منا كل التقدير إذا كانوا يدركون وقار المهمة النيابية أو الجماعية أو الجهوية التي يتحملونها باسم الناخبين، ويحرصون على مصداقية الثقة التي تربطهم بالمواطنين الذين اختاروهم عن طواعية واقتناع، والذين وجدوا فيهم نموذج النائب الذي يحترم مسؤوليته ويترجم مطالب ناخبيه على الطريقة المألوفة في جميع المناسبات الانتخابية التي تقدم فيها برامج انتخابية لا تختلف إلا في أسماء الأحزاب والنقابات التي تعرفها، وتكاد تكون واحدة في مضامينها إن لم نقل تجسد برامج انتخابية موجهة ومنقحة بتوجهات ومشاريع متشابهة.
إن تعاقب العمليات الانتخابية لم يؤثر في سلوك الفاعلين السياسيين والنقابيين، ولم يحرضهم على تغيير نمط وأسلوب صياغة البرامج الانتخابية التي أصبح تعامل المواطنين معها في الحملات الانتخابية سلبيا، ولا يدعوهم إلى التساؤل مع أصحابها حول أولوياتها وشروط تنفيذها، وقد أصبح الناخبون متعودون على التواصل معها والتي لا تتجاوز لحظات توزيعها من قبل أنصار المرشحين والتخلص السريع منها، مما يطرح على شيوخ قبائلنا الحزبية ضرورة تجاوز سلبيات الحملات الانتخابية المعتادة.
نخلص في هذه المقاربة أن الأداء الحزبي والنقابي والمدني لم يساير التحولات في المجتمع على جميع الأصعدة، وأنه لم يتطور في الاتجاه الذي يبرر حضور هذا الأداء واستجابته للتطلعات المجتمعية .. وبالتالي، أن تناقض وتقاطع الأداء مع عنتريات القيادات يكشف عن هول وعمق القصور في مشهدنا الوطني الذي أصبح المواطنون يعرفون نتائج جميع عملياته الانتخابية .. ونهمس في آذان قيادات أحزابنا ونقاباتنا ومجتمعنا المدني أنهم معنيون بالانتقال الديمقراطي وبالحكامة الجيدة في أداء مؤسساتهم التي تؤطر نظامنا التعددي الذي لم يعرف بعد التغيير المتوقع منه حتى الآن.