الوحدة الترابية المغربية بين السياسة والواقع
عبد الصمد لفضالي
إن الأنظمة السياسية الأوروبية بقدر ماهي ملزمة بتكريس وترسيخ الديمقراطية داخل حدود بلدانها، بقدر ماهي مهووسة بجلب المصالح الاقتصادية لبلدانها إرضاء لشعوبها المتحكمين فيها انتخابيا٬ على الأقل على حساب اقتصاد وديمقراطية مستعمراتها السابقة٬ ومن مصلحة اللوبي السياسي العالمي بما فيه اللوبي الأوروبي أن تستمر النزاعات المختلفة بين الدول، وخصوصا منها الدول العربية والإسلامية من أجل جعلها مذبذبة في اتخاذ قراراتها٬ وابتزازها سياسيا واقتصاديا لترضخ هذه الدول للقرارات السياسية لهذا اللوبي العالمي٬ وإلزام هذه الدول على شراء أسلحته والامتثال لشروطه التجارية (مثلا اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي) ويدخل في هذه السياسة تجييش بعض الجمعيات والمنظمات العرقية والقبلية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان٬ وكذلك التوصية الأخيرة للبرلمان الأوروبي للأمم المتحدة بتوسيع صلاحية بعثة “المينورسو” لتشمل “حقوق ” الإنسان في الصحراء المغربية٬ ثم انحياز محكمة العدل الأوروبية لما يسمى ب”البوليزاريو” عبر قرارها المتعلق بمنع الدول الأوروبية المنضوية تحت لواء هذه المحكمة من استيراد المنتجات الفلاحية والسمكية المتواجدة على تراب الصحراء المغربية٬ وبالتالي اعتبار الاتفاقيات مع المغرب باطلة٬ والسيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة أينما حل وارتحل يساير تيار مضيفيه٬ فعوض أن يضغط بصلاحياته على النظام الجزائري الذي هو أساس عرقلة تسوية الملف٬ يتعهد عند وصوله إلى تندوف بالقيام بمساع لدى المانحين الدوليين من تخصيص المزيد من الدعم المالي لمخيمات تندوف.
إننا ضد أي خرق ضد حقوق الإنسان سواء داخل المغرب أو خارجه٬ و لكن ليس على حساب الوحدة الترابية المغربية٬ كما إنه ليس منطقيا و لا ديمقراطيا أن تمنح تغطية حقوقية لجماعة تحمل أطروحة الانفصال من أجل استفادة ريعية أطول وقت ممكن٬ و مجيشة من طرف طغمة عسكرية تتحكم قهرا في شعب مجاور ومؤطرة – أي هذه الجماعة- من طرف مرتزقة ليست لهم أي صلة مع أدنى حق من حقوق الإنسان يقومون بجرائم يومية ضد الإنسانية بمخيمات تندوف ومعتقلات “الرشيد”٬ كما أنه ليس من العدل بأن تعطى الحرية وبدون مراقبة قانونية لمجموعات مسخرة تهدف إلى الإرهاب وتقزيم الوطن .
أما توصيات البرلمان الأوروبي للأمم المتحدة بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو بالأقاليم الجنوبية٬ وموقف محكمة العدل الأوروبية من المنتجات الفلاحية والسمكية المتواجدة بالأقاليم المغربية الصحراوية٬ ليست إلا سياسات مغرضة ومفتعلة تحت ضغط لوبيات تعيش على افتعال وتعميق النزاعات الدولية من أجل مصالح اقتصادية وإستراتيجية انتهازية على حساب المشروع الوحدوي للدول المكونة للمغرب العربي٬ ونسف أي أمل في هذه الوحدة المغاربية، وذلك بمنأى عن مدينتي مليلية و سبتة و جزر الكناري المحتلة٬ في حين أن الاتحاد الأوروبي وبرلمانه ومحكمة العدل التابعة له التي تسعى إلى التدخل في الوحدة الترابية للمغرب لم تنشأ وتتكون -أي هذه المؤسسات الأوروبية- إلا من أجل اختزال المجتمعات الأوروبية في مجتمع واحد واقتصاد متناسق موحد٬ وعملة واحدة وجيش أوروبي مستقبلي موحد٬ وذلك رغم تباين أعراق وثقافات هذه المجتمعات الأوروبية واختلاف لغاتها وأعرافها وحتى قوانينها.
إن جميع الدول العظمى والدول العريقة في الديمقراطية، مرورا من الولايات المتحدة الأمريكية (ثمانية وأربعون ولاية) والاتحاد الأوروبي (ثمانية وعشرون دولة) تتفاعل مع أي تحريض على الانفصال والتفكك بكل صرامة٬ وتعتبره من جرائم الخيانات العظمى.
إن من بين الأمور التي يجب على السياسة الخارجية المغربية أن تستفيد منها هي سياسة الدول التي تنهج تنويع الاتفاقيات والتبادل التجاري مع مختلف البلدان بالقارات الخمس٬ حتى لاتكون رهينة سياسات و شروط دول معينة٬ كما يجب على الدبلوماسيين ومختلف السياسيين والجمعويين والمثقفين المغاربة والحزبيين – الذين ما إن ينتهوا من الانتخابات حتى يتهيؤوا للانتخابات المقبلة – بأن يقنعوا المتحكمين في العلاقات الدولية بأن نزاع أقاليمنا الجنوبية لايمكن أن يحل إلا عبر مبادرة الحكم الذاتي٬ وذلك بشهادة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة على نجاعة هذا الحل٬ كما أن التاريخ يثبت بأنه لم يكن قبل الاستعمار الإسباني أي حاكم منفصل عن السلطة المركزية المغربية يشرف على إدارة الأقاليم الصحراوية٬ كما أن الدولة المغربية لم تقم بإنشاء المشاريع المكلفة بهذه الأقاليم ولم تصرف الملايير عقودا طويلة من الزمن إلا لإيمانها بأنها تقوم بذلك بمنطقة داخل حدودها.